قطعت النصوص العربية شوطا رائعا في الطباعة والنشر، مذ طلّت علينا الكتب العربية بطبعاتها الكلاسيكية الحجرية القديمة من مصر وبلاد الشام.
حيث أتحفتنا حينها بموسوعات التراث العربي الرائع، الذي أخرج جيلا من الرواد الذين لا يمكن تكرارهم في عصرنا هذا من أمثال العقاد وطه حسين والرافعي، ممن نهلوا من تلك الكتب الصفراء، التي تفوح منها رائحة حبر المطابع القديمة.
كانت ميزة النشر في ذلك الوقت عزيزة ونادرة ولا يحظى بها إلا أجلّ النصوص وأروعها، فلا توجد مطبعة في ذلك الوقت يمكن لمديرها الموافقة على حمل عماله على صف مئات الآلاف من الحروف لإخراج كتاب لا يستحق الحبر الذي كُتب به، كما يحدث في أيامنا هذه.
مع ذلك، فإننا مدينون للتطور الكبير والاستثنائي الذي حدث في عالم النشر، والذي أخرجت من خلاله بقية الذخائر العربية، وأوجد لكل باحث ومبدع الطريق لنشر عمله، حتى أصبحت العواصم العربية مزدحمة بالناشرين وبالمكتبات ودور النشر.
ونشاهد اليوم التجربة الاستثنائية لمعارض الكتب العملاقة في الوطن العربي، مثل معارض الشارقة، وأبوظبي، والرياض، والقاهرة، التي ينتظرها الآلاف سنويا لاقتناء المعرفة منها.
وقد لعبت هذه المعارض دورا في التبادل المعرفي، وكانت ساحة لنشر المعرفة بفضل الإسهام السخيّ لبعض الحكومات العربية، التي دشنت مشاريع التأليف والترجمة لتعزيز المعرفة عربيا، مثل مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة، ودار الكتب المصرية العريقة، وغيرها.
كانت صناعة النشر من ضمن الصناعات، التي تأثرت بكوفيد-19، الذي أضر بشتى الصناعات في العالم، وقد لجأ الآلاف، إنْ لم يكن الملايين، لقراءة الكتب الإلكترونية المتاحة للبيع.
وقبل الأزمة، كان الملايين قد لجؤوا للكتاب الإلكتروني وللأجهزة اللوحية للقراءة، رغم ما يمثله الأمر من إزعاج في البداية للبعض.. وشخصيا بدأت في قراءة نصوص "بي دي إف" حين فصلتني ظروف العمل والتنقل عن مكتبتي، وحين عجزت عن إيجاد كتب نفدت من الأسواق لشرائها.
إن الخطوة التالية برأيي للناشرين العرب، ولأصحاب مشاريع المعرفة هو الاستثمار في هذا الاتجاه، ونقل التجربة الغربية الناجحة في القراءة الإلكترونية إلى عالم النشر عربيا، عبر استثمار الناشرين في هذا الصدد، وكذا شركات التقنية التي يجب عليها العمل في الاستثمار في أجهزة قراءة الكتب مثل قارئ "كيندل" الذي لا يزال قاصرا في التعامل مع النشر العربي كما يجب.
أجزم أن تجربة نجاح القراءة وتعزيزها عربيا لن تكتمل إلا باستخدام كل الأدوات والوسائل العصرية المتاحة، إذ كما نجحت معارض الكتب التي لا يتيسر للجميع حضورها، يمكن للنشر الافتراضي أن يكون مكمّلا لهذا النجاح، بعد اكتشاف شرائح من ملايين القراء اللغة في آسيا وأفريقيا وأمريكا ولا تُتاح لهم فرصة اقتناء الكثير من الكتب، لا من خلال المعارض ولا من خلال شراء نسخ من نقاط البيع عن بُعد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة