تتسم العلاقات الإماراتية-السورية بديناميات حيوية، كفيلة بالحفاظ على هذه العلاقات وتطويرها حتى في أحلك الظروف.
ولعل تجربة هذه العلاقة خلال الأزمة السورية خير شاهد على هذه الدينامية والحيوية، إذ لم تنقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين طوال فترة الأزمة والحرب السورية، قبل أن تشهد هذه العلاقات انطلاقة جديدة مع إعادة دولة الإمارات فتح سفارتها في دمشق أواخر عام 2018، ما شكل مسارا لإعادة العديد من الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، وتزايد الدعوات العربية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية.
ورغم أهمية البُعد الاقتصادي والتجاري في هذه العلاقات، فإن العامل الإنساني والقومي يبقى قائما في صُلب السياسة الإماراتية إزاء سوريا وأزمتها وشعبها، ولعل الجميع يتذكر التغريدة الشهير لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عندما غرّد في عز أزمة انتشار فيروس كورونا بقوله: "التضامن الإنساني يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف"، لتكون هذه التغريدة إيذانا بتدفق المساعدات الإماراتية الإنسانية إلى سوريا، وإجراء اتصالات على أعلى المستويات بين البلدين، وزيارات لمسؤولين اقتصاديين وتجاريين ورجال أعمال، وبلورة خريطة المصالح المشتركة، كما بينت أهمية الدور الإماراتي في إعادة إعمار سوريا، بعد عشر سنوات من الحرب والدمار والخراب.
اليوم، ومع زيارة وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، إلى سوريا، فإن الإمارات تؤكد مدى التزامها باستراتيجية إخراج سوريا من أزمتها، وتشكيل رافعة عربية لتحقيق هذا الهدف عبر معالجة موضوعية وحقيقية لتداعيات هذه الأزمة، انطلاقا من الحل السياسي، وهو ما يتطلب من الدول العربية إعادة النظر في مواقفها وقراراتها بخصوص كيفية التقرب من الأزمة السورية وحلها، خاصة أن هذه الأزمة خلفت تداعيات سلبية كثيرة على العلاقات العربية-العربية، وسهّلت التدخلات الإقليمية في الأزمة السورية، وبالتالي تحديد مصيرها، ورسم ملامحها المستقبلية.
دون شك، زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق تؤكد المحددات والعوامل، التي تحكم الدبلوماسية الإماراتية تجاه دول عربية شقيقة، سوريا والعراق ليبيا واليمن، وغيرها من الدول العربية التي تعاني أزمات ونزاعات، وهي في الحالة السورية، تؤكد جملة حقائق، لعل أهمها:
أولا: استكمال مسار الانفتاح العربي على سوريا، وهو المسار الذي بدأ مع إعادة فتح الإمارات سفارتها في دمشق، لتشهد بعد ذلك العلاقات بين سوريا والعديد من الدول العربية تطورات إيجابية مهمة، كما هي حال العلاقات الأردنية-السورية، عندما بادرت الأردن إلى فتح معابرها الحدودية مع سوريا، وكذلك مشروع نقل الغاز العربي من مصر إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، في تأكيد لأهمية العمل العربي المشترك.
ثانيا: إن الدبلوماسية الإماراتية تحمل دينامية عربية تصبو إلى الحد من التدخلات الإقليمية، خاصة تدخلات تركيا وإيران في سوريا وغيرها من الدول العربية، وهو ما يشكل حاملا لإعادة القدرات العربية السياسية في التعامل مع الأزمات الجارية في عدد من الدول العربية.
ثالثا: إن التطور التدريجي والمتسارع في العلاقات الإماراتية-السورية يشكل ضمانة لإعادة إعمار سوريا، ومثل هذا الأمر له أهمية قصوى في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على سوريا، لا سيما قانون "قيصر" الأمريكي.
رابعا: المسار الإماراتي في العلاقة مع سوريا، يشكل مسارا عربيا لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وهو ما يفرض على الدول العربية اتخاذ قرار حاسم بهذا الخصوص خلال القمة العربية المقبلة، المقرر عقدها في الجزائر، إذ لم يعد من المنطق والعقل التحجج بأعذار تجاوزها الزمن والتطورات الميدانية في سوريا لعرقلة هذا الاستحقاق العربي.
إن صوت العقل والمسؤولية، الذي تنشده الإمارات في علاقاتها العربية، بات يشكل أملا للدول والشعوب العربية للخروج من الأزمات، التي تعصف بالعالم العربي، والمسار الذي سلكته الإمارات في علاقاتها مع سوريا وأزمتها وشعبها، يشكل خير مثال على هذا الصوت.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة