فتحت زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، لدمشق ثغرة عبور لإعادة سوريا للحاضنة العربية.
يأتي ذلك بعد قرابة عشر سنوات من قرار جامعة الدول العربية تجميد عضوية سوريا، وأيضا بعد أن أعادت دولة الإمارات في عام 2018 افتتاح سفارتها في دمشق، وما تلا ذلك من حديث عن مساعٍ إماراتية للمطالبة بعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة، إضافة إلى الحديث عن فتح آفاق التعاون الاقتصادي لدعم الاقتصاد السوري، الذي واجه تحدياتٍ كبيرة نتيجة أحداث ما بعد 2011، وما رافقها من عقوبات اقتصادية وحصار، تنفيذاً لقانون "قيصر" الأمريكي.
في الواقع، لم يستغرب السوريون زيارة الوزير الإماراتي، لأنها كانت منتظرة من حيث المضمون المعنوي، الذي كان يستبشر كثيراً بعلاقات سوريا الوطيدة مع دولة الإمارات، التي بقيت متوازنة رغم الأحداث الصعبة، التي عانتها سوريا على المستوى الإقليمي والدولي.
ورغم التغيرات، التي تعتري كثيرا من مواقف الدول على المستوى السياسي والدبلوماسي، فإن الإجراءات العملية والسلوك الإماراتي طوال هذه السنوات كان بعيداً كل البعد عن مقاطعة سوريا كدولة أو التراجع عن دعمها في أشد المواقف صعوبة، فسعت الإمارات لتحقيق توازن سياسي دعما لمؤسسات الدولة السورية.
هذه الخلفية من الإجراءات الإماراتية المتزنة حكمت زيارة وزير خارجيتها إلى دمشق، وذلك تبعاً لكثير من المعطيات، التي كانت تؤكد وجود تعاون وتنسيق مستمر يأخذ أشكالاً اقتصادية وثقافية وإنسانية على شكل مساعدات وخدمات طبية، إلا أنها كانت تخفي وراءها موافقة ضمنية ورغبة حقيقية في تجاوز حالة عزلة سوريا وعودتها بشكل طبيعي إلى دورها الاستراتيجي المؤثر كما كانت على المستوى العربي والإقليمي قبل موجة ما يسمى "الربيع العربي".
لقد استقبلت دمشق قبل أكثر من ثلاث سنوات الأديب الإماراتي الراحل حبيب الصايغ، باعتباره الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب، في اجتماع للأمانة العامة للاتحاد، قام بعدها الرئيس السوري بشار الأسد باستقبال أعضاء الأمانة العامة برئاسة "الصايغ".
أما على مستوى الاقتصاد، فقد أخذت العلاقات بين الإمارات وسوريا مسارات متناغمة، فجرى تبادل زيارات لرجال أعمال من البلدين، وصولا إلى مشاركة الدكتور محمد سامر الخليل، وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري، في معرض إكسبو 2020 دبي مؤخراً، ولقائه مع عبدالله بن طوق، وزير الاقتصاد الإماراتي، وعُقدت جلسات مباحثات هدفت للبحث في سبل التعاون الاقتصادي، التي تتجاوز العقوبات الأمريكية، عبر التركيز على تقديم احتياجات الشعب السوري في المجالات الطبية، فضلا عن مجالات الدعم في إعادة إعمار ما دمرته سنوات الحرب، في ظل وجود مجلس لرجال الأعمال في البلدين، لإقامة مشروعات مشتركة، الأمر الذي يفتح باباً للتعاون الجاد بين البلدين ويذلل عقبات مشاركة المستثمرين السوريين في عمليات إعادة الإعمار، إذ من المتوقع لسوريا أن تصير مكاناً جاذباً للاستثمارات في الفترة المقبلة.
الزيارة السريعة لسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، إلى دمشق تأذن بقص الشريط الحريري لبدء علاقات سياسية واقتصادية عربية، وربما أوروبية، بصبغة ودية، تم الإعداد لها بهدوء، في انتظار خطوات تالية، فالزيارة الإماراتية تمثل موقفا إيجابياً قوياً يقود قاطرة خليجية وعربية لعودة "سوريا الدولة" إلى حضن العروبة، كأنها خطوة تمثل رأس جبل الجليد، الذي يبدو للناظرين عن بُعد صغيرا، فيما يُخفي الجزء الأكبر منه في عمق المحيط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة