تحلّت سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها تجاه سوريا بميزات استثنائية، من أبرزها أنها كانت الرائدة في اقتحام الطوق المضروب على سوريا تدريجياً بكثير من التعقل والإصرار واحترام مصالح الآخرين.
وقد وظّفت الإمارات علاقاتها العربية والإقليمية والدولية وإمكاناتها لخدمة أهدافها النبيلة في المحافظة على "سوريا الدولة" بمؤسساتها وكياناتها، وخطت خطوات عملية للتدليل على أهمية المبادرة في تصحيح مسار العلاقات بين الأشقاء.
النهج المتوازن للإمارات حرّض الكثير من العواصم العربية على إعادة حساباتها وتجديد قراءاتها في ضوء التحولات المستمرة وما تفرضه من تغير في طبيعة المصالح، وما تقتضيه من تغيير في أدوات ومقاربات الظواهر السياسية الجديدة، التي تنشأ عادة عن الخيارات الكبرى لهذه الدولة أو تلك، خصوصا الدول العظمى، وتقديم أو تأخير أولويات على أخرى.
لم تختبئ الإمارات خلال سنوات الأحداث، التي عصفت بسوريا، كانت على الدوام تنتهج سياسة مُحْكمة وتطرح مقاربات موضوعية من وحي انتمائها وقيمها وحضورها في كل محفل من المحافل العربية والإقليمية والدولية.. وتعلن جهارا أن سوريا لا يجب تركها تواجه كل هذه التحديات في الداخل والخارج وحدها.
وتقدمت الإمارات على سواها في تبني مقاربة الأخذ بيد سوريا ومساعدتها سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا لإيصالها إلى بر الأمان واستعادة حضورها ودورها في محيطها العربي أولاً.
فالاتصال الهاتفي بين الرئيس السوري بشار الأسد وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في العشرين من أكتوبر الماضي كان تتويجا لرحلة من التنسيق والتشاور بين البلدين الشقيقين حول العلاقات الثنائية الأخوية ومجمل التطورات، التي تشهدها المنطقة.
التواصل الإماراتي السوري على أعلى المستويات وفي جميع المسارات يندرج في سياقين هامين، الأول تثبيت وتأكيد دور دولة الإمارات في الوقوف إلى جانب سوريا الدولة والمجتمع على المستوى الثنائي وعلى مستوى الدعم، وذلك لتعزيز عودتها إلى حاضنتها العربية، أما السياق الثاني فيتمثل في موقف الإمارات الصريح والمعلن باستقلالية خياراتها وإرادتها والاستعداد لتحمل عبء وتبعات هذه المواقف.
إن سوريا تخضع لسلسلة عقوبات تكبل الكثير من مساعيها وتشكل عقبات جدية أمام أي خطوة على طريق خططها الداخلية للنهوض بسبب تحديات اقتصادية وبنيوية، وأخرى أمنية وعسكرية لا تزال ماثلة في بعض مناطقها، يُضاف إلى ذلك تأثير العقوبات الخارجية على الدول الأخرى، التي تتعاطى مع الدولة السورية.
لم يمنع كل ذلك دولة الإمارات من المبادرة تجاه سوريا وشعبها، ففي آذار 2020، وبينما كان السوريون يرزحون تحت ضغط ووطأة أصعب الظروف، تفاقمت جائحة كورونا في البلاد في ظل واقع اقتصادي ومعيشي يمكن وصفه بأنه الأكثر قسوة ومرارة على الإنسان السوري منذ أكثر من قرن، فكان أن أعلت الإمارات صوتها بدعم الشعب السوري وتمكينه من مواجهة الوباء بكل ما أتيح لها من إمكانيات وسبل، وترجمت ذلك عمليا في الإمدادات الطبية اللازمة.
سبق ذلك قرار الإمارات بإعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق عام 2018، وما تضمنته من معان ورسائل سياسية عززت الموقف السوري على جميع الأصعدة داخليا وخارجيا في مواجهتها تحديات الحصار من جانب، ومن جانب آخر في مواجهة أطماع البعض ومشاريعهم الخارجية، وحملت بارقة أمل بأن سوريا لن تكون بمفردها.
المواقف، التي صدرت مؤخرا عن بعض العواصم العربية، لجهة إعادة سوريا إلى حواضنها العربية، وحتى الخطوات العملية بطابعها التجاري-الاقتصادي، كما هي الحال في الموقف الأردني تجاه سوريا، لم يكن له أن يتطور أو ينتقل إلى دائرة الفعل والعمل لولا ملامح المناخ الجديد، الذي يتشكل في عموم الإقليم، وحتى في قسم واسع من العالم، والذي دلل على صوابية الرؤية المسبقة، التي تحلت بها المبادرات الإماراتية واستشعارها اتجاهات السياسة الدولية.
في البعد السياسي، يتضح بجلاء أن الإمارات استندت في توجهاتها ومقارباتها بشأن سوريا إلى استراتيجية عميقة الرؤية تقوم على معادلة دقيقة مؤداها أن مساعدة سوريا على تجاوز محنتها ودعمها سياسيا واقتصاديا سيشكل مدخلا حيويا كي تعود إلى صفها العربي بكل ما تمثله من ثقل سياسي واستراتيجي عربيا وإقليميا بحكم موقعها الجيوسياسي ودورها وتأثيرها في قضايا العرب والإقليم.
ما الانعكاسات المرجوة على سوريا من جراء الاستراتيجية الإماراتية؟
أول ما يتبادر إلى الذهن هو أن السوريين وجدوا متكأ متينا وراسخا ومخلصا في مسعاهم نحو النهوض مجددا على مختلف الصُّعُد.. سيكونون أكثر قدرة على معالجة قضاياهم الداخلية وترتيب أولوياتهم.. سيكونون أكثر إيمانا بقدرتهم على إجهاض المشاريع الخارجية المتربصة بهم.
في أي مضمار.. الريادة لمن يسبق ويمسك الناصية أولاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة