لغز انفجار أجهزة «بيجر» في لبنان.. اختراق أمني أم حادث تقني؟
انفجرت المئات من أجهزة الإرسال «بيجر» في وقت واحد تقريباً في أجزاء من لبنان وسوريا الثلاثاء، ما خلف قتلى وجرحى بينهم أعضاء بحزب الله.
الحادث الغامض أثار العديد من التساؤلات عن كيفية حدوثه، خاصة أن حزب الله اللبناني قد حصل على أجهزة الإرسال "بيجر" التي انفجرت بعد أن أمر أمين عام حزب الله حسن نصر الله أعضاء الحزب بالتوقف عن استخدام الهواتف المحمولة، محذراً من إمكانية تعقبهم.
وجهاز "بيجر" أو النداء الآلي هو جهاز إلكتروني صغير يسهل حمله ويستخدم لاستقبال الرسائل القصيرة أو رقم الشخص الذي يحاول الاتصال بالجهاز.
وهو جهاز قديم يستخدم منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث صُنع عام 1949 من قِبَل المخترع الكندي ألفريد غروس الذي اخترعه لأغراض طبية وكان يستخدم كوسيلة للتواصل بين الأطباء في المستشفيات.
ويستخدم الجهاز لبث رسائل مكتوبة برموز مشفّرة ومختصرة، ويُمكن أن تغطّي شبكته مساحات واسعة شرط توفر عواميد إرسال.
ولا زال جهاز "بيجر "يستخدم في عدد من القطاعات ولا سيما الطبية والأمنية لأنه لا يتطلب الصيانة المستمرة، وتدوم بطاريته طويلًا ويمكن استخدامه أثناء التنقل ويعمل حتى أثناء وقوع الكوارث أو انقطاع التيار الكهربائي.
وأصبحت أجهزة "بيجر" التقليدية من الماضي مع تطور التكنولوجيا، ولكنها كانت تعد الوسيلة الرئيسية للاتصال اللاسلكي في السابق. وكانت تتميز بحجمها الصغير وبساطتها.
لكن مع تقدم التكنولوجيا، ظهرت أجهزة "بيجر" الحديثة التي تجمع بين مميزات التواصل اللاسلكي والتطبيقات الذكية، حيث تتيح للمستخدمين إرسال النصوص، والمكالمات، والتنبيهات من دون الحاجة لاستخدام هواتفهم. بالإضافة إلى ذلك، توفر تقنية البلوتوث والواي فاي ربطًا سلسًا بين الأجهزة لتحسين تجربة الاتصال.
ورغم قدم التقنية، يمكن اختراق شبكة أجهزة "بيجر" بعد كشف موجتها عبر معدات إلكترونية متخصصة. ويمكن تفجير الجهاز عند تحميله بما يفوق قدرته ما يؤدي لانفجار بطاريته جراء تسخينها.
وقد أثارت واقعة تفجير "بيجر" في لبنان، تكهنات بشأن الجهة المسؤولة، وطريقة حدوث الأمر، فيما انتشرت أنباء عن مصادر مقربة من حزب الله ووكالة الأنباء الرسمية في لبنان بأن الاختراقات الإسرائيلية قد تكون خلف هذه الانفجارات المدمرة، لكن كيف حدث الأمر؟
ما هو بيجر؟
أجهزة "بيجر"، التي تشتهر بتوفير تواصل فوري ومباشر، تعتبر واحدة من أقدم وسائل الاتصال المحمول التي لعبت دوراً كبيراً في تسهيل الاتصال السريع في عدة مجالات.
رغم التقدم الكبير في تكنولوجيا الهواتف المحمولة، لا يزال "بيجر" يُستخدم بشكل واسع في مجالات حيوية مثل الرعاية الصحية والطوارئ، نظراً لسهولة استخدامه وموثوقيته في إرسال التنبيهات والرسائل النصية القصيرة.
كيف يعمل بيجر؟
يقول خبير أمن المعلومات المصري، محمود حجاج، إن طريقة عمل "بيجر" تتم على تقنية الاتصالات اللاسلكية الراديوية (Radio Frequency Communication)، حيث تنقل الرسائل والإشارات عبر ترددات راديوية، من خلال شبكة من الأبراج أو محطات الإرسال إلى جهاز "بيجر" الخاص بالمستخدم.
ويوضح حجاج لـ"العين الإخبارية"، أن جهاز "بيجر" يقوم باستقبال الرسائل النصية القصيرة أو الإشعارات المرسلة عبر موجات الراديو. عندما يرغب شخص ما في إرسال رسالة لمستخدم "بيجر" آخر، تُرسل الرسالة من خلال مزود الخدمة إلى برج الإرسال الأقرب للمستخدم، ويتمتع كل "بيجر" بتردد محدد ورقم تعريف فريد يُعرف بـ"Capcode"، ما يتيح له تلقي الرسائل المخصصة له فقط، وعند إرسال الرسالة، يتم بثها عبر الترددات الراديوية في المنطقة المعنية.
هل يمكن اختراق أجهزة بيجر؟
يؤكد حجاج أن أجهزة "بيجر" تٌعد صعبة الاختراق نظراً لبساطتها وعدم اتصالها بالإنترنت، حيث تعتمد بشكل أساسي على الإشارات الراديوية ما يعني صعوبة قيام أطراف بالتحكم في تفجيرها عن بعد. ومع ذلك، من الممكن التلاعب بنظام الرسائل الخاص بها.
أما إتلاف البطاريات، فهو يتطلب الوصول إلى النظام الكهربائي الداخلي للجهاز، وهو أمر لا يمكن تحقيقه عبر الاتصالات الراديوية المستخدمة في "بيجر"، فالأجهزة الحديثة مزودة بأنظمة حماية تمنع حدوث تلف بسبب الشحن الزائد أو الحرارة، ما يعني أن تنفيذ مثل هذا الاختراق يتطلب تقنيات متطورة للغاية، بحسب حجاج.
تفجير أجهزة "بيجر"
يذكر خبير أمن المعلومات، محمود فرج، أن تفجير أجهزة "بيجر" كان وسيلة تستخدمها بعض الجماعات الإرهابية في التسعينيات وأوائل الألفية الثانية لتفجير العبوات الناسفة عن بعد، وكانت الفكرة تعتمد على استغلال قدرة أجهزة "بيجر" على استقبال إشارات لاسلكية لتحفيز التفجير.
ويضيف فرج لـ"العين الإخبارية"، أن استخدام بيجر للتفجير كان فعالا في وقت كانت فيه هذه الأجهزة أداة شائعة، ولكنه أصبحت أقل استخدامًا مع تطور تكنولوجيا الهواتف المحمولة وظهور تقنيات تفجير عن بُعد أكثر تقدماً.
وحول ألية تفجير أجهزة "بيجر"، يبين فرج أنها كالتالي:
1. يتم توصيل جهاز بيجر بدائرة إلكترونية متصلة بالعبوة الناسفة.
2. يتم ضبط جهاز "بيجر" على رقم هاتف محدد.
3. عند الاتصال بهذا الرقم، يستقبل بيجر إشارة تعمل على إغلاق الدائرة الإلكترونية أو تحفيز عملية التفجير.
4. الانفجار يحدث نتيجة تلقي بيجر الإشارة المطلوبة، مما يؤدي إلى تشغيل الدائرة الكهربائية وتفجير العبوة.
بطاريات "بيجر"
ويشير خبير أمن المعلومات، إلى أن أجهزة بيجر مشابهة لهواتف المحمول، حيث تعتمد على شحن بطاريات لتشغيلها، وهي مصنوعة من الليثيوم، وتتأثر بارتفاع درجات الحرارة، فبعض الأشخاص تنفجر هواتفهم لهذا السبب، وفي بعض الحالات ينفجر نتيجة وضع الهاتف على الشاحن لمدة طويلة، وهو أمر حدث مع العديد من مستخدمي الهواتف، ونفس الأمر يحدث لأجهزة "بيجر".
ويشدد على أن البطاريات لها نظام معين، ليوقف عملية الشحن عند مستوى معين، ومن الواضح أنه تم اختراقه في حادث لبنان، ما سمح بعمليات شحن زائدة، كما أنه في حال توصيل قطبي البطارية (الموجب والسالب) فإنها ستنفجر، وهو الاحتمال الذي يرجحه خبير أمن المعلومات، خاصة أنها كانت في أيدي حامليها أثناء الانفجار، كما أن بعض الأشخاص أفادوا بأنهم أبعدوا أجهزتهم عندما تفاجأوا بارتفاع درجات حرارتها، ما مكنهم من تفادي الانفجار.
وأوضح أن انفجار البطاريات يؤدي إلى إصابات خطيرة، حيث تحتوي على طاقة مخزنة بشكل كبير جدًا، وهي مكونة من مواد كيميائية، وانفجار الطاقة بجانب المواد الكيميائية يتسبب في حوادث خطيرة، من ضمنها الاختناق وتطاير الشظايا.
تفخيخ الأجهزة
فيما يتعلق باحتمالية أن تكون أجهزة الاتصالات مفخخة، يُعلق فرج، بأنه أمر غير محتمل، حيث تمر بالجمارك، التي تتمكن من اكتشاف مواد التفجير، وإذا كانت مفخخة بالفعل، فإن التفجير يكون أسهل من اختراق البطارية، حيث يكون مخططًا لها في السابق، ويتوقف على توصيل الدائرة الكهربية بمواد التفجير، ما يتسبب في أضرار أكبر مما حدث في لبنان.
وحول سبب انفجار عدة أجهزة “بيجر” في نفس الوقت، يوضح أنه نتيجة اختراق النظام الداخلي لها، وهو أمر لا يحتاج إلى إنترنت، فبمجرد اختراق الشبكة الداخلية يمكن الوصول إلى باقي الأجهزة، على سبيل المثال يمكن اختراق الأجهزة المتصلة بنفس المودم حتى إذا كان غير متصل بالإنترنت، وهو نفس الأمر الذي يحدث في برامج الفدية.
ويختتم فرج، أنه يمكن أن تكون عملية الاختراق تمت من خلال اختراق أحد أعضاء الشبكة الخاصة بحزب الله، وبالتالي الوصول إلى جميع الأعضاء المتصلين بها، ما يعني أنه ربما تم الوصول إلى بيانات أخرى خاصة بالأعضاء.
مسؤولية إسرائيل
من جهة أخرى، نشر مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، توباز لوك، منشورًا أشار فيه إلى مسؤولية إسرائيل عن تفجير أجهزة الاتصال في لبنان، لكنه قام بحذفه لاحقًا.
فيما بعد، نفى مكتب نتنياهو صحة ما ورد في منشور المستشار. وأفادت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه إذا كانت تل أبيب هي المسؤولة عن تفجير أجهزة الاتصال، فإن ذلك يأتي كاستجابة لمخطط حزب الله لاستهداف شخصية أمنية سابقة، والذي أعلن جهاز "الشاباك" عن إحباطه.