الأمن السعودي أثبت قدرته على القضاء على الإرهاب وخلاياه والأصولية وأتباعها مع يقظة دائمة وعمليات استباقية ناجحة.
شهدت العمليات الإرهابية انتعاشاً كبيراً، الأسبوع الماضي؛ فمن تفجيرات سريلانكا، إلى الهجوم على مقر المباحث العامة بمدينة الزلفي شمال العاصمة الرياض، إلى إعلان أمن الدولة السعودية عن اعتقال مجموعة من ثلاثة عشر إرهابياً في عملية استباقية، وصولاً إلى عمليات وخلايا في مصر والمغرب، وليس انتهاءً بالحركة القوية لمليشيات الإرهاب والأصولية في غرب ليبيا، والخطر كبير جداً على الدولة السودانية والشعب السوداني من تحرّك خلايا الإرهاب هناك.
البسطاء وحدهم ظنوا أن الإرهاب قد انتهى والأصولية قد تلاشت، وما تقوله هذه الأحداث جميعاً هو أن المعركة لا تزال طويلة، فيجب أن نستعد لها ونعطيها قدرها المستحق من الاهتمام.
في سريلانكا، بدأت تتكشف بعض التفاصيل المهمة عن تلك العمليات الإرهابية المجرمة التي استهدفت بعض الكنائس والأماكن العامة، تزامناً مع عيد الفصح المسيحي، وعلى عكس مراد منفّذيها فقد حصدت اصطفافاً دولياً مع الدولة السريلانكية، كما نالت تعاطفاً شعبياً حقيقياً مع ضحايا تلك العمليات.
في السعودية، تحرّكت الخلايا النائمة بعد خمول طال نسبياً مقارنةً بالعقدين الماضيين، ولكن المفاجأة كانت في الاستجابة الأمنية المباشرة في مقرّ أمن الدولة المستهدف في الزلفي، حيث تمّ القضاء على الإرهابيين الأربعة في لحظتها، ولم يستطع أحد منهم اقتحام المقرّ فقُتلوا جميعاً خارجه، ولم ينالوا إلا الموت.
وبالتزامن مع ذلك حدث أمران بالغا الأهمية، حيث أعلنت الدولة السعودية عن تنفيذ أحكام القضاء في 37 من الإرهابيين من السنّة والشيعة ممّن اكتملت إجراءات محاكماتهم، وتم التصديق النهائي على أحكامهم، فتمّ التنفيذ في أكثر من مكانٍ، تحت مبدأ العدالة الناجزة وقوة النظام والقانون، وكذلك أعلنت رئاسة أمن الدولة أن تلك العملية كانت بداية لمخططات إرهابية لخلية قُتل منها هؤلاء الأربعة، وتم إلقاء القبض على ثلاثة عشر إرهابياً، في عمليةٍ استباقية.
هذا التوقيت المتزامن لانتعاش الإرهاب وخلاياه لم يكن صدفةً، بل هو مؤشرٌ على تحركٍ منظمٍ للدول الداعمة للحركات الأصولية والتنظيمات الإرهابية في المنطقة والعالم، في إيران وتركيا وقطر، وهي التي بدأت تخسر على المستويات كافة، عربياً وإقليمياً ودولياً، ولم يبق أمامها إلا تنشيط خلاياها حول العالم لإعادة نشر الإرهاب والتخريب.
لربط الأمور ببعضها، فقد كتب كاتب هذه السطور في هذه الصحيفة وهذه المساحة محذراً من أننا «مقبلون على مرحلةٍ جديدةٍ من الإرهاب ستطلقها الدول الثلاث، إيران وتركيا وقطر، لإيقاف هذا التغيير الكبير الذي يجري، وستتراقص خلاياها العاملة وستوقظ النائمة منها»، ولم يكن هذا رجماً بالغيب ولا تنبؤاً بالمستقبل، ولكنه قراءة واقعية وعقلانية مضنية لحجم المتغيرات وطبيعة الصراعات واستراتيجيات التحالفات في المنطقة، وقد تابع الجميع ما حدث.
قبل صناعة الإرهاب وتنظيماته، هناك صناعة للسخط وصناعة للإحباط تسبق ذلك، وهما صناعتان شهدتا ترويجاً واسعاً من الدول الثلاث في الأشهر الأخيرة، وتحديداً الأسبوعين الماضيين، وثمة نموذجان بارزان لذلك: الأول، الفتوى، ونموذجها تلك الفتوى التي أصدرها مفتي الأصولية والإرهاب الليبي الغرياني من مقره في تركيا، والتي يصدّ فيها المسلمين عن بيت الله الحرام، ويحرض على ترك الحج والعمرة وإنفاق الأموال في دعم الجماعات الإرهابية التي هو رمزٌ من رموزها.
والنموذج الثاني، هو التحريض الدائم والمستمر والمنظم من قبل الدول الثلاث ضد التحالف المظفّر في المنطقة، الذي تمثله السعودية والإمارات ومصر ومن معها من الدول العربية، وهذا التحريض شاركت فيه كل وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي والمؤسسات التابعة لتلك الدول أو لجماعة الإخوان المسلمين في كل مكانٍ، ورموز الإسلام السياسي من إخوان إلى سرورية إلى عشرات الجماعات والتنظيمات الأصولية والإرهابية.
ليس أكبر خطأ ممن يعتقد أن العمليات الإرهابية تبدأ بتخطيط خليةٍ ما يشكّلها بعض الشباب المجرم والمخدوع لعمل إرهابي، ومن ثم القيام بتنفيذه، ولا يقلّ عنه خطأ أو مشاركة في الجريمة تلك المؤسسات الحقوقية أو المدنية أو الإنسانية التي تصف الأصوليين ورموزهم من صنّاع السخط والإحباط والتحريض بأنهم أصحاب رأي أو معتقلون سياسيون، من دون أن تكلف نفسها البحث عن جرائمهم المعلنة، ومن دون أن يطرف لها جفنٌ تجاه حقوق ضحايا هذا الإرهاب ورموزه.
اختلال الأولويات هو أحد أهم ما تقع فيه هذه الجهات، فمن دون بلدٍ مستقرٍ وآمنٍ لا توجد عدالةٌ، ومن دون عدالةٍ لا توجد حريةٌ لأحد، فالحرية جزء من أساس أكبر، هو العدل، ومن دون بلدٍ مستقرٍ وآمنٍ لا يمكن تحقيق العدل، ولا يتمكن القضاء من حل النزاعات، وهذا الاختلال القائم سبّب كثيراً من المآسي والأزمات الكبرى في المنطقة.
هذا التيار الأصولي الإرهابي يجد تعاطفاً عريضاً من اليسار العالمي والغربي تحديداً، فطالما روّج لأفكاره ورموزه وتهجم على الدول التي تحاربه، وهو أوضح من قبل قدرته على الدفاع عن أعتى الديكتاتوريات الدينية، كالجمهورية الإسلامية في إيران، والتصالح معها، وذلك بالتوقيع على «الاتفاق النووي مع إيران» قبل سنواتٍ، وهو الاتفاق «الأسوأ في التاريخ»، كما وصفه الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب.
الباحث والمتابع يستطيع ملاحظة أن لجوء هذه الدول الثلاث المعادية لمثل هذه الأساليب هو إقرار بالتراجع الكبير لقدرتها على التأثير الداخلي؛ فعملاء هذه الدول الثلاث يخضعون للمحاكمات في أكثر من بلدٍ عربي بالمعلومات والحقائق، وبالأدلة والبراهين، وقد أصبحت قدرتهم محدودة جداً وشبه معدومةٍ على العمل من الداخل، أما في مواقع التواصل الاجتماعي، فتمّ ويتمّ فضحهم وكشف المتخفين منهم في كل لحظةٍ.
قبل هذا وذاك، فإن نشر الوعي تجاه هذه الجماعات الأصولية والتنظيمات الإرهابية المستمر منذ سنواتٍ قد بدأ يؤتي أكله وتظهر ثماره، فالإرهاب شجرةٌ ثمارها الإرهابيون وجذورها الأصوليون المتطرفون، ودون تجفيف الجذور ستستمر في إنتاج الإرهاب.
هذا الوعي بدأ بمواقف سياسيةٍ واضحةٍ وصريحةٍ تجاه النظام الإيراني الطائفي ومليشياته وذيوله، وأهمها الحرب بالقوة العسكرية الخشنة ضد الحوثي في اليمن، والمحور الأصولي التركي القطري الإخواني بفروعه وجماعاته وتنظيماته، وأهمها مقاطعة قطر، وتصنيف جماعة الإخوان جماعةً إرهابيةً، مع كل ما تفرّع عن هذه المواقف من تفاصيل لا تُحصى.
أثبت الأمن السعودي قدرته على القضاء على الإرهاب وخلاياه والأصولية وأتباعها مع يقظة دائمة وعمليات استباقية ناجحة، وقدم في سبيل ذلك الأبطال الأشاوس بين شهيدٍ وجريحٍ ليكتبوا بدمائهم الزكية صفحاتٍ مطرزةً بالفخر في تاريخ الأمجاد الوطنية.
أخيراً، البسطاء وحدهم ظنوا أن الإرهاب قد انتهى والأصولية قد تلاشت، وما تقوله هذه الأحداث جميعاً هو أن المعركة لا تزال طويلة، فيجب أن نستعد لها ونعطيها قدرها المستحق من الاهتمام.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة