بجانب الرغبة الأكيدة للالتزام بمنهج الوسطية والاعتدال والتعايش والتسامح، فإن الدولة تترجم الرغبة إلى فعل حقيقي
عندما أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حديثه بمنتدى مستقبل الاستثمار في الرياض أننا لن نعيش في حقبة التشدّد والتطرف، التي بدأت أواخر سبعينات القرن الماضي، وأننا عازمون على التمسك بديننا الوسطي الذي يحثّنا على الاعتدال والتسامح والتعايش مع بقية الأديان والثقافات والحضارات والشعوب والمجتمعات، عندما قال ذلك لم نتوقع أيضاً أن يأتي الدليل العملي بهذه السرعة؛ ليؤكد أن الدولة أصبحت بالفعل تسبق توقعاتنا بخطواتها المتسارعة في كل المجالات.
ما أعنيه هنا هو وصول البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك الكنيسة المارونية في لبنان والشرق، يوم قبل أمس إلى الرياض بدعوة من خادم الحرمين الشريفين، في زيارة وصفها مكتب البطريرك بأنها تاريخية، وتأتي بدعوة من ملك الحوار والاعتدال، وقال البطريرك الراعي بعد وصوله إنه طالما تمنى زيارة المملكة التي لم ير منها لبنان واللبنانيون إلا الخير.
الدعوة للتعايش مع أصحاب الأديان والثقافات الأخرى كانت مشروعاً سعودياً منذ فترة ماضية، أي بعد إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ومركز حوار الأديان والثقافات، وبالفعل كانت هناك توجهات رسمية مخلصة وجادة للمضي في هذا المشروع الإنساني.
هنا تجب الإشارة إلى أن الدعوة للتعايش مع أصحاب الأديان والثقافات الأخرى كانت مشروعاً سعودياً منذ فترة ماضية، أي بعد إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ومركز حوار الأديان والثقافات، وبالفعل كانت هناك توجهات رسمية مخلصة وجادة للمضي في هذا المشروع الإنساني، لكن ذلك لم يتحقق بالشكل المؤمَّل؛ لأن الممانعة والتعطيل والالتفاف كانت حاضرة من جناح التشدّد الذي كان مهيمناً وقادراً على تشكيل وتوجيه كتلة كبيرة من المجتمع بخطاب له خبرة فيه، ويستطيع بواسطته ترسيخ صورة غير إيجابية عن مثل ذلك التوجه، بل إن بعض الذين أُحسِن الظن بهم ليكونوا بعض المرات ضمن فريق الحوار مع الآخر كانوا يمارسون ازدواجية كبيرة، تتمثل في أقوال وتصريحات تناقض ما قالوه سابقاً في فعاليات الحوار، وأحياناً يصل الأمر إلى التنصل منها بطريقة أو بأخرى.
الوضع الآن مختلف تماماً، إذ بجانب الرغبة الأكيدة للالتزام بمنهج الوسطية والاعتدال والتعايش والتسامح، فإن الدولة تترجم الرغبة إلى فعل حقيقي، وتحميه من الغلاة والمتطرفين الذين تسببوا سابقاً في إيجاد كم هائل من الكراهية تجاه الآخر المختلف، ووصمنا بصفات سببت لنا الكثير من المتاعب.
نحن في مرحلة جديدة تماماً تتشابك فيها كل شعوب العالم، ومشروعنا التنموي الجديد الهائل الذي ستشارك فيه الكثير من المجتمعات لا يمكن إنجازه كما نطمح بوجود رواسب مزمنة من الجفوة مع شعوب العالم المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، فإنه ليس صحيحاً إنسانياً ولا أخلاقياً أن تكون الكراهية صفة يتمثلّها مجتمع تجاه أي مجتمع آخر فقط لأنه مختلف عنه.
دعونا نكون نموذجاً لدعاة المحبة والسلام والتعايش والحب، وكل المعاني والصفات الجميلة التي يحثّنا عليها ديننا العظيم.
نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة