مرّ على لبنان سنتان ونصف السنة من دون أن ينجح البرلمان في انتخاب رئيس جديد للجمهورية
مرّ على لبنان سنتان ونصف السنة من دون أن ينجح البرلمان في انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهذا أمر في غاية الحساسية لجهة التركيبة اللبنانية.
فالصيغة السلطوية في لبنان هي صيغة طائفية، بحيث تتوزع المواقع العليا في الدولة وصولاً للمواقع الدنيا، وفقاً للانتماءات الطائفية. فرئيس الجمهورية ماروني، والبرلمان شيعي، والحكومة سنّي، وقائد الجيش، كما حاكم المصرف المركزي، مارونيان، ومدير عام الأمن الداخلي سني، ومدير عام الأمن العام شيعي، ومدير المخابرات في الجيش ماروني، ورئيس مجلس الإنماء والإعمار سني، ونائب رئيس الحكومة أرثوذكسي، ونائب رئيس البرلمان أرثوذكسي. ورئيس اتحاد كرة القدم شيعي، وأمينه العام درزي. وقس على ذلك في كل دائرة رسمية.
تنفجر حروب داخلية على المواقع وعلى المداورة بينها بحيث تعشش الطائفية في كل المواقع، من أكبرها إلى أصغرها.
أما المعركة على موقع رئاسة الجمهورية فإنها تعكس حالة جديدة هذه المرة. ففي السابق كانت المعركة لا تتوقف، ويمكن أن يتأخر انتخاب الرئيس لوقت طويل، لأسباب سياسية تتعلق بالصراع الداخلي، أو الإقليمي، أو الدولي، كما حدث عام 1988 بعد نهاية حكم الرئيس السابق أمين الجميل، حيث لم يتم انتخاب رئيس آخر إلا في العام 1990 بعد إنجاز اتفاق الطائف.
انتخاب رئيس جديد للجمهورية اليوم له صلة لا شك، بالصراعات الإقليمية والدولية. لكن هذا لا يخفي أن فئة لبنانية وازنة أعطت الصراع على موقع الرئاسة بعداً جديداً، له علاقة بالتوازنات الطائفية في لبنان، من دون إهمال البعد الخارجي من الملف.
بات متعارفاً عليه أن رئاسة البرلمان اللبناني، وهي من حصة الشيعة، هي لرئيس حركة أمل نبيه بري.. وبالتالي فإن الموقع الشيعي الأول في الدولة هو من نصيب الرجل الأقوى والمجمع عليه لدى الشيعة.
أما رئاسة الحكومة فهي في المبدأ من نصيب الشخصية السنية الأقوى أيضاً في محيطها، أي رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، سواء مباشرة، أو عبر رئيس الحكومة الحالي تمام سلام. وعندما كانت هذه القاعدة تخرق كان الاستقرار يهتز، كما حدث مع مرحلة ترؤس نجيب ميقاتي للحكومة قبل سنوات عدة.
أما بالنسبة إلى رئاسة الجمهورية التي هي من حصة الموارنة، فلم تكن منذ اتفاق الطائف عام 1990 من حصة القوي في الطائفة المارونية، بل إن من تعاقب على الرئاسة كانوا من الوسطيين، أو من قادة الجيش، حيث لا نفوذ سياسياً وشعبياً لهم.
وهذه القاعدة كانت على طرفي نقيض من قاعدة انتخاب رئيس البرلمان، أو اختيار رئيس الحكومة. أي أن اختيار الأقوى في طائفته لم يسر على الموارنة، بل على الشيعة والسنة والدروز فقط.
هذه المرة كانت قواعد اللعبة مختلفة. رئيس كتلة التغيير والإصلاح ميشال عون رشح نفسه للرئاسة على قاعدة أنه الأقوى في الموارنة، وبفارق كبير عن الثاني، والثالث. بل إن الرجل الثاني الأقوى سمير جعجع أيد عون للرئاسة. هذه المرة يريد عون أن يكسر قاعدة اختيار الأضعف بين الموارنة لرئاسة الجمهورية. وقد دخل ذلك من باب أن ما ينطبق على الشيعة والسنة، يجب أن ينطبق على الموارنة. وهو ما يسميه بالميثاقية. أي أن الشراكة الوطنية تقتضي أن تتمثل كل طائفة بالقوي فيها. وبما أن ذلك مؤمّن للسنة والشيعة والدروز فيجب أن يؤمّن للموارنة.
إذا نجح ميشال عون في الوصول إلى الرئاسة فسيسنّ قاعدة جديدة للرئاسة المارونية. إذ إنه ليس ممكناً أن يكون هناك صيف وشتاء على سطح واحد. فإما أن يكون النظام السياسي في لبنان طائفياً بالفعل، وهو هكذا، وبالتالي يجب أن يكون رئيس الجمهورية هو الأقوى في الطائفة المارونية، وإما أن يكون غير طائفي وحينها تلغى طائفيات الرئاسات ويفوز الأقوى في لعبة الصراعات السياسية لا الطائفية.
نقلا عن / الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة