زمن الغلاء الفاحش.. كيف تنجو أفريقيا من الكارثة؟
لم تعد أفريقيا، سلة غذاء العالم مع تصاعد التحذيرات الدولية من أن المجاعات ربما تتحول إلى كارثة إنسانية بالقارة السمراء.
وتجتاح العالم أزمة غلاء ضارية غير مسبوقة في أسعار الغذاء مع تسارع الموجات التضخمية لتضرر سلاسل الإمداد والقيمة من تداعيات جائحة "كوفيد-19" الوبائية وأزمات التغيرات المناخية واسعة النطاق والمتفاقمة في الأساس، وباتت تؤرق ليس فقط الشعوب، بل الحكومات أيضًا، في مختلف أنحاء العالم.
على ما يبدو أن أفريقيا، سلة غذاء العالم، لم تعد كذلك اليوم، فبعد أن كانت بعض الدول معروفة بأن أسواقها المرنة وصادراتها التنافسية وجهة رئيسية للعديد من الدول، ومن بينها المتقدم اقتصاديًا، أصبحت دول تكافح في الوقت الراهن من أجل بلوغ حد الاكتفاء الذاتي، ودول أخرى باتت على شفا مرحلة انعدام الأمن الغذائي.
بالفعل باتت تحذيرات المنظمات الدولية آخذة في التصاعد من أن الفقر المدقع والمجاعات تتفاقم وربما تتحول إلى كارثة إنسانية في أفريقيا.
موجة غلاء فاحش
قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) يوم الخميس الموافق 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إن أسعار الغذاء العالمية ارتفعت للشهر الثاني على التوالي في سبتمبر لتبلغ ذروة عشر سنوات مدفوعة بارتفاع أسعار الحبوب والزيوت النباتية.
رفعت المنظمة، كذلك قليلا توقعاتها لإنتاج الحبوب العالمي في 2021 إلى مستوى قياسي عند 2.8 مليار طن من 2.788 مليار طن في تقديرات الشهر الماضي. لكنها قالت إن هذه التوقعات القياسية تظل أقل من الاستهلاك المتوقع.
سجل مؤشر المنظمة لأسعار الغذاء، الذي يرصد الأسعار العالمية للسلع الغذائية الأكثر تداولا، 130 نقطة في المتوسط الشهر الماضي، وهي القراءة الأعلى منذ سبتمبر 2011، بالمقارنة مع القراءة المعدلة لشهر أغسطس عند 128.5 نقطة. وكانت قراءة شهر أغسطس السابقة 127.4 نقطة.
وعلى أساس سنوي، ارتفعت الأسعار 32.8% في سبتمبر. وارتفعت أسعار السلع الزراعية بشدة العام الماضي مدفوعة بضعف المحاصيل والطلب القوي من الصين.
انعدام الأمن الغذائي
فيما حذر تقرير "توقعات الأمن الغذائي في شرق إفريقيا" من تعرض بلدان المنطقة من نقص متزايد في الغذاء على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومات الإقليمية لتحقيق الأمن الغذائي من خلال وضع خطط وسياسات لاحتواء الأزمة الحادة.
وذكر التقرير الذي جرى استعراضه خلال فعاليات "القمة السنوية لمنتدى الثورة الخضراء في أفريقيا" في نيروبي، في سبتمبر الماضي، والتي ركزت على تسريع التقدم في تطوير أنظمة غذائية قادرة على الصمود في المنطقة والقارة، حيث تتعرض عدة دول في شرق إفريقيا حاليًا مستويات مختلفة من نقص الغذاء بسبب الجفاف ونقص هطول الأمطار والصراع وغزو الجراد وتوابع فيروس كورونا مما أدى إلى تأثر الأنشطة الزراعية.
وأوضح التقرير أن توقعات نقص الغذاء سوف تلوح في الأفق كما ستظل احتياجات المساعدة الغذائية، مرتفعة وفوق المتوسط في الصومال وشمال وشرق كينيا حتى أوائل عام 2022 على الأقل.
وأكد أنه منذ عام 2014 كلف الجفاف المنطقة 372 مليار دولار، كما أدى تفشي الجراد في شرق أفريقيا بين عامي 2019/2020 إلى تدمير أكثر من 356 ألف طن من الحبوب وما يقرب من 1.5 مليون هكتار من المحاصيل والمراعي.
وتوقع التقرير أن تؤدي الصدمات الاقتصادية إلى تفاقم شدة انعدام الأمن الغذائي الحاد في أجزاء من المنطقة، فيما تستمر جائحة كورونا أيضًا في التأثير على انعدام الأمن الغذائي، خاصة بين الأسر الحضرية في كينيا وأوغندا ورواندا واللاجئين في أوغندا.
ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يعاني أكثر من 2.1 مليون شخص في الأراضي القاحلة وشبه القاحلة في كينيا من انعدام الأمن الغذائي الشديد، بعد موسمين متتاليين من قلة الأمطار، ما أعاق الإنتاج الزراعي، بينما أدت محدودية الوصول إلى الغذاء - التي تفاقمت بسبب فقدان الدخل وإغلاق الأسواق في بعض المقاطعات بسبب كورونا - إلى ترك أكثر من 532 طفلا دون سن الخامسة و93 ألف امرأة حامل أو لديها رضيع في حاجة ماسة إلى العلاج جراء سوء التغذية الحاد.
الحلول المستدامة
وفي يوليو الماضي، كانت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، قد أكدت أن تحويل النظم الزراعية الغذائية، وطريقة الإنتاج والمعالجة والتوزيع والاستهلاك للغذاء يعتبر أحد السبل الرئيسية لتحقيق العديد من أهداف جدول أعمال 2030، وهو ما يعني إنتاجًا أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل، وحياة أفضل.
وأوضحت أن استراتيجية «فاو» 2021-2025 فيما يتعلق بمشاركة القطاع الخاص، تعكس رؤية مستقبلية جديدة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث تقر هذه الاستراتيجية بأهمية تعبئة موارد القطاع الخاص لتحقيق هذه الأهداف، ولا سيما الهدف الثاني المتمثل في: القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة.
وأضافت «الفاو»، أن القطاع الخاص في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، يلعب دورًا مهمًا على طول السلسلة الغذائية بأكملها، واليوم، قطاعا الأغذية والزراعة في المنطقة يستعدان لمواجهة بعض أكبر التحديات في العالم في سبيل تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة؛ ابتداءً من توفير الأغذية الصحية، مقبولة التكلفة، والتي يمكن الوصول إليها بسهولة، لعدد متزايد من السكان، إلى الحد من الجوع وسوء التغذية، ومكافحة السمنة المتزايدة، والتعامل مع الآثار القاسية لتغير المناخ، ومعالجة ندرة المياه والمخاوف البيئية الأخرى، ومعالجة التهديدات الناشئة من الآفات والأمراض.
ويسعى الحوار القادم بين منظمة «الفاو» والقطاع الخاص إلى فتح مجالات الحوار مع ثلاث فئات رئيسية في القطاع الخاص وهي:
- مشاريع الأغذية الزراعية متناهية الصغر، والصغيرة والمتوسطة الحجم، بما في ذلك الشركات الناشئة، التي يمكنها أن تلعب دورًا حاسمًا في تحقيق الأمن الغذائي والقضاء على الفقر في الريف، مع التركيز بشكل خاص على الزراعة الرقمية ورواد الأعمال من الشباب والنساء.
- الشركات الكبيرة، بما في ذلك الشركات الوطنية والمتعددة الجنسيات الكبيرة والشركات المملوكة للدول العاملة في قطاع الأغذية الزراعية.
- المؤسسات المالية، بما في ذلك البنوك والمستثمرون من القطاع الخاص، ومؤسسات الاستثمار الخاصة الأخرى التي لديها القدرة على لعب دور حاسم في تعبئة الاستثمارات الخاصة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حذر في الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضي، من أن خطر المجاعة يهدد عددا من الدول الأفريقية، مشيرا إلى أن قمة المناخ تنعقد في ظروف بالغة الدقة.
وشدد السيسي في كلمة له خلال قمة النظم الغذائية 2021 على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ76 يوم الخميس الموافق 23 سبتمبر 2021، على أن "تأسيس نظم غذائية مستدامة تحقق الأمن الغذائي لمجتمعاتنا، مسألة تأتي على رأس أولوياتنا جميعا، خاصة في ظل تفاقم ظاهرة المناخ وما تسببه من ارتفاع معدلات الحرارة وندرة في المياه وتدهور جودة التربة وتصحر مساحات هائلة من الأراضي الزراعية".
ولفت إلى أن "هذا له تبعات اقتصادية كبيرة على الأمن الغذائي" مشيرا إلى أن "خطر المجاعة بات يهدد الكثير من دول العالم خاصة في إفريقيا وهذا يتطلب إيجاد حلول سريعة وفعالة لإنقاذ مئات الملايين من البشر غالبيتهم من النساء والأطفال".
ربما يحتاج معالجة تهديد المجاعة إلى نظام غذائي أكثر لامركزية، فتركيز مسألة الغذاء بأيدي عدد من الشركات، وبخاصة في البلدان الأكثر ثراء، جعل النظام الغذائي أكثر عرضة لتفشي الآفات والأمراض، ورغم ما يبدو أنه واقع سيئ الآن فإن التأثيرات السلبية لفيروس كورونا وتداعيات التغيرات المناخية على الأمن الغذائي العالمي لن تتعمق إلا إذا ازداد انتشار الوباء بشكل أكبر في البلدان الفقيرة، وستنعكس هذه التأثيرات سلبًا، مؤدية إلى تفاقم أزمة الغذاء الحالية، ما سيزيد من الجوع بأشكال لم نرها منذ عقود عدة، ولذلك على المجتمع الدولي أن يستجيب بسرعة وبسخاء لمواجهة المد المتزايد للجوع عالميًا.
aXA6IDMuMTI4LjE5OC45MCA= جزيرة ام اند امز