الأزمة السورية.. الأستانة تربك جدول أعمال "جنيف 6"
النظام السوري أعلن تمسكه بمسار الأستانة البعيد عن قضية الانتقال السياسي، الموضوع الأساسي لمفاوضات جنيف، فهل يمكن فض هذا الاشتباك؟
قبل نحو عام عندما بدأت موسكو تطرح الأستانة عاصمة كازاخستان كمكان آخر تجتمع فيه المعارضة السورية، أبدت أطياف من المعارضة السورية قلقها من أن يكون مسار "الأستانة" بديلا عن جنيف، غير أن المعارض السوري قدري جميل رئيس ما يعرف بـ"منصة موسكو للمعارضة السورية"، قلل من تلك المخاوف، قائلا في تصريح شهير قبل عام: "مؤتمر الأستانة هو تحويلة لفكّ استعصاء جنيف".
وأوضح جميل ما يعنيه مضيفا: "مسار جنيف استعصى، وبما أنه لا يمكن القفز فوق جنيف وإلغاؤها، كان ضروريا وجود طريقة لتجاوز هذا الاستعصاء"، مؤكدا أن "الأستانة" هي بمثابة المكان الذي سيتم فيه "فكّ" ما سمّاه "الاستعصاء" ومن ثم العودة، مجددا إلى جنيف.
ولكن هل حقا اقتصر دور الأستانة على فك استعصاء جنيف، أم أنها تحولت إلى مسار بديل؟
من المفترض حتى تقوم الأستانة بالدور الذي أشار إليه جميل، هو أن يتم مناقشة القضايا نفسها التي تطرحها جنيف، حتى يتم فك الاستعصاء، وهو ما لم يحدث منذ بدء تلك المفاوضات.
وعلى مدار 3 مؤتمرات شهدتها الأستانة تركزت المناقشات على القضايا الأمنية والعسكرية، ولم تتطرق إلى صلب المفاوضات، وهي بنود الانتقال السياسي التي تشكل معضلة مفاوضات جنيف، منذ تم إقرارها في أول مؤتمر تستضيفه العاصمة السويسرية عام 2012.
وتنص تلك البنود على هيئة حكم انتقالية تؤول إليها الأمور في سوريا، ويرى النظام أن هذه الهيئة يكون لبشار ورجال نظامه دور فيها، بينما تصر المعارضة على أنه لا وجود لبشار ونظامه بها.
وبينما يقول فؤاد عليكو عضو وفد الهيئة العليا للمفاوضات، في تصريحات صحفية، إنهم لن يسمحوا بأن تخرج مفاوضات "جنيف 6 "، التي ستبدأ غدا الثلاثاء، عن مناقشة قضية الانتقال السياسي، كان للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا رأي آخر، حيث قال في مؤتمر صحفي يوم الخميس الماضي، أنه سيتم البناء فيها على ما تحقق في المؤتمر الأخير بالأستانة، مشيرا إلى أنه قد يتم الاتفاق على مناطق أخرى لتخفيف التصعيد، غير المناطق الأربعة التي تم إقرارها في الأستانة.
وعمليا، فإن مناطق تخفيف التصعيد تصب في صالح النظام؛ فهي تعطيه الراحة النسبية بتلك الأماكن، كي يتمكن من تنفيذ خطة التهجير في أماكن أخرى، التي تمكنه من استعادة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بعد إحكام حصاره عليها وإجبارها على القبول باتفاقيات تعقد معها، مؤداها أن يتركوا تلك المناطق ويتوجهوا آمنين لمناطق أخرى تسيطر عليها المعارضة.
واستطاع النظام إحكام سيطرته على أكثر من مكان باستخدام هذه الاتفاقيات، وكان آخرها حي القابون بدمشق.
وعليه فقد صارت "الأستانة" هي القبلة المفضلة للنظام السوري، وعبر الرئيس السوري بشار الأسد عن ذلك دون مواربة عندما قال قبل 4 أيام في تصريحات لقناة "أو.إن.تي" التلفزيونية البيلاروسية، إن محادثات السلام في جنيف "مجرد لقاء إعلامي"، ولا يوجد أي شيء حقيقي في كل اللقاءات السابقة.
وأشاد في الوقت ذاته بما تحقق في الأستانة من اتفاق على مناطق "وقف التصعيد"، وقال إنها فكرة جيدة من حيث المبدأ وتدعمها دمشق، مشيرا إلى أنها تعطي فرصة للمسلحين لإلقاء السلاح والمصالحة مع الحكومة، وهذا ما نريده.
وعلى ذلك يبدو أن النظام السوري متمسكا بمسار الأستانة البعيد كل البعد عن قضية الانتقال السياسي، الموضوع الأساسي لمفاوضات جنيف، وسيكون مسعاه في جنيف هو البناء على ما تحقق في أستانة.
وتكشف تصريحات المعارضة السورية عن إدراكها لهذا المسعى، ولكن هل ستتمكن من مواجهته حتى لا تحيد "جنيف 6 " عن مسارها؟ إن غدا لناظره قريب.
aXA6IDE4LjExNi40My4xMDkg
جزيرة ام اند امز