الإمارات والصين.. محطات في عقود من العلاقات المتميزة
قمة إماراتية صينية تعقد في توقيت هام وتعد محطة هامة جديدة في مسار تطور الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.
واليوم الأربعاء، وصل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى الصين، في زيارة دولة تستمر يومين، بدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وخلال الزيارة، يبحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع الرئيس الصيني "العلاقات الثنائية ومسارات التعاون والعمل المشترك في المجالات الاقتصادية والتنموية والثقافية وغيرها".
وتأتي الزيارة "في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تجمع دولة الإمارات والصين بما يساهم في تعزيز التنمية والازدهار المستدام في البلدين".
أهمية خاصة
تحمل الزيارة أهمية خاصة كونها الأولى للشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الصين منذ توليه رئاسة الإمارات في مايو/أيار 2022.
أيضا تحمل الزيارة أهمية خاصة كونها تتزامن مع مرور 40 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ويشهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال الزيارة، الاحتفال بمناسبة مرور 40 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات والصين، الأمر الذي يجعل للزيارة خصوصية وقيمة كبيرة لدى الجانبين.
وتكتسب الزيارة أهمية إضافية من الثقل السياسي للقمة التي تجمع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس الصيني شي جين بينغ.
أهمية تنبع من خصوصية الشراكة الاستراتيجية بين قيادتين وبلدين يجمع بينهما الاحترام والثقة وأهداف التنمية المستدامة والمصالح المتبادلة القائمة على التسامح والسلام ومد جسور التعاون مع المجتمع الدولي.
أيضا تكتسب القمة في توقيتها أهمية استثنائية إضافية، حيث ستتطرق إلى القضايا التي تشغل المنطقة والعالم بمنطق الحكمة والرؤية البصيرة، في ضوء ما يجمع البلدين من انسجام في الرؤى والاستراتيجيات الاقتصادية وتناغم في المواقف السياسية المبنية على إرساء السلام والاستقرار العالمي، وتحقيق التنمية المستدامة والانفتاح.
4 عقود من العلاقات الدبلوماسية تختزل مسيرة العلاقات بين البلدين في محطات تاريخية مهمة، وتتوج بزيارة تاريخية للقيادة الإماراتية تجسد أواصر العلاقات القوية التي تربط بين البلدين، والحرص المتواصل على تنميتها وتطويرها.
ويحل الاحتفال بمناسبة مرور 40 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات والصين في وقت تمضي فيه العلاقات الثنائية إلى آفاق واعدة، ويتعاون البلدان لتحقيق الازدهار والرخاء لمواطنيهما، ومواجهة التحديات المشتركة التي تواجه البشرية.
وبهذه المناسبة، ترصد "العين الإخبارية" أبرز المحطات التاريخية على طريق تطور العلاقات بين البلدين، وبعض الأرقام التي تجسد قوة الروابط والحرص المتنامي على تطويرها بتوجيهات القيادتين:
عمق تاريخي
- تضرب علاقات الصداقة بين دولة الإمارات والصين جذورها في أعماق التاريخ، إذ بدأ التبادل التجاري بين البلدين منذ القرن السابع ميلادي.
- اتخذت العلاقات بين البلدين بعدا جديدا في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 1971 أي بعد يوم واحد من قيام دولة الإمارات، إذ بعث المؤسس المغفور له الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان برقية إلى شوإن لاي رئيس مجلس الدولة الصيني يبلغه فيها بقيام دولة الإمارات.
ورد شو ان لاي ببرقية تهنئة إلى الشيخ زايد يؤكد فيها اعتراف الصين بدولة الإمارات.
-تأسست العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات والصين في نوفمبر/تشرين الثاني 1984، وافتتحت سفارة الصين بأبوظبي في أبريل/نيسان 1985، وتم إنشاء القنصلية العامة بدبي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1988.
-افتتحت سفارة الإمارات ببكين في 19 مارس/آذار 1987، وأنشأت 3 قنصليات عامة في كل من هونغ كونغ في أبريل/نيسان 2000، وبشنغهاي في يوليو/تموز 2009، وبقوانجو في يونيو/حزيران 2016.
زيارات القيادة
- شهدت العلاقات بين البلدين نقلة نوعية بعد زيارة أجراها الرئيس الصيني آنذاك "يانغ شونغ" إلى دولة الإمارات في ديسمبر/كانون الأول عام 1989.
ثم الزيارة التاريخية للمؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للصين في 1990، وقد توجت تلك الزيارة بتوقيع العديد من الاتفاقيات.
- تعد الزيارة الحالية السادسة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان للصين، حيث سبق أن زارها 5 مرات، في محطات تاريخية تم خلالها وضع أسس راسخة لعلاقات مستدامة بين البلدين، حيث زارها في أغسطس/آب 2009 ومارس/آذار 2012، وديسمبر/كانون الأول 2015، ويوليو/تموز 2019، وفبراير/شباط 2022.
- أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارة إلى أبوظبي في يوليو/تموز 2018، وكانت تلك أول زيارة رسمية لرئيس صيني إلى دولة الإمارات العربية المتحدة منذ نحو 30 عاماً، أسست لمرحلة فارقة وجديدة من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
تطور الشراكة الاستراتيجية
- وقّع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ورئيس مجلس الدولة الصيني، ون جياو باو، في يناير/كانون الثاني 2012 بدبي، مذكرة بيان مشترك بين الإمارات وجمهورية الصين الشعبية حول إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
- في يوليو/تموز 2018، اتفق البلدان، خلال زيارة الرئيس الصيني لأبوظبي، على الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستويات أعلى وتأسيس علاقات "شراكة استراتيجية شاملة"، تساهم في تعميق وتركيز التعاون في المجالات كافة وتعزيز التنمية والازدهار المشترك بما يتفق والمصلحة المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين.
العلاقات الثقافية.. سفراء التواصل
-تعزيزا للعلاقات المتنامية بين البلدين، تم إطلاق برنامج "تدريس اللغة الصينية عام 2019 في 200 مدرسة إماراتية"، ويدرس حاليا 71 ألف طالب وطالبة في 171 مدرسة بمختلف إمارات الدولة ضمن البرنامج الذي يستهدف تغطية 200 مدرسة.
وفي تصريحات سابقة، أشاد الرئيس الصيني شي جين بينغ بحماس الطلاب الإماراتيين في تعلم اللغة الصينية، والتعرف على الثقافة الصينية، داعيا إياهم ليكونوا سفراء للتواصل بين البلدين، وجيلا جديدا يسهم في ترسيخ علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين.
- انعكست العلاقات المتنامية بين البلدين أيضا على حجم مشاركة الصين في الفعاليات الثقافية بالإمارات، والتي كان أحدثتها مشاركتها الكبيرة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب بنسخته الـ33 والذي اختتم في 5 مايو/أيار الجاري.
وخلال المعرض، أطلق مركز أبوظبي للغة العربية بالتعاون مع المجموعة الصينية للإعلام الدولي، مركز التعاون العربي الصيني، الذي يجمع تحت مظلته ناشرين عربا وصينيين.
العلاقات الاقتصادية.. أرقام مميزة
- تعد الصين أكبر شريك تجاري للإمارات لسنوات عديدة متتالية، حيث حافظت الإمارات على مكانتها كأكبر سوق لصادرات الصين في الشرق الأوسط.
وبلغ إجمالي حجم التجارة الثنائية بين البلدين حوالي 95 مليار دولار في عام 2023، ويسعيان لزيادة التبادل التجاري بينهما ليصل إلى 200 مليار دولار بحلول 2030.
- تعد الإمارات أكبر سوق للصادرات الصينية وثالث أكبر سوق للمشاريع الهندسية الصينية في العالم العربي، ويوجد أكثر من 8000 شركة صينية في الإمارات في قطاعات البنية التحتية والتمويل والعملات والطاقة الجديدة وعلوم الحياة والذكاء الاصطناعي وغيرها.
- بلغ عدد الرخص الاقتصادية الصينية في دولة الإمارات نحو أكثر من 14.5 ألف رخصة.
- تعد الصين ثالث أكبر مصدر لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الإمارات بقيمة 6.3 مليارات دولار، مع ارتفاع الاستثمار الثنائي بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، ليصل إلى مستوى قياسي قدره 15 مليار دولار في عام 2022.
- يعد قطاع السياحة من أهم القطاعات الرئيسية في العلاقات الاقتصادية المشتركة، حيث وصل إجمالي عدد السياح الصينيين أكثر من مليون زائر في الأشهر الـ10
الأولى من عام 2023.
كما وصل عدد الصينيين المتواجدين في دولة الإمارات لنحو 350 ألفا، ويتم تنظيم أكثر من 210 رحلات طيران شهرياً بين البلدين عبر شركات الطيران الوطنية الإماراتية.
- تعزيزا للتعاون الاقتصادي بين الجانبين، اتفقت حكومتا دولة الإمارات وجمهورية الصين الشعبية خلال اجتماع الدورة الثامنة للجنة الاقتصادية والتجارية والفنية المشتركة المنعقدة بأبوظبي في فبراير/شباط 2024، على تعزيز التعاون في عدد من القطاعات والمجالات ذات الاهتمام المشترك، لا سيما الاقتصاد الجديد وريادة الأعمال والتكنولوجيا وغيرها.
- يرتقب أن يتزايد التعاون الاقتصادي بين البلدين مع انضمام دولة الإمارات رسميا إلى مجموعة "بريكس" في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد أن صادقت الدول اﻟﻤؤسسة، بما فيها الصين، على طلبها بالانضمام إلى المجموعة.
الحزام والطريق.. شراكة مثالية
-تعد دولة الإمارات، من خلال موقعها الاستراتيجي ودورها في حركة التجارة العالمية وقدراتها اللوجستية وبنيتها التحتية الحديثة بالإضافة إلى اقتصادها المتنوع القائم على المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، مساهما فاعلا في مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها الصين عام 2013.
ودولة الإمارات تمتلك فرصاً استثمارية واعدة وبيئة تنافسية كبيرة في العديد من المجالات الاقتصادية والتجارية فضلاً عضويتها في العديد من المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بدعم جهود النمو الاقتصادي العالمي.
-تعد دولة الإمارات لاعباً رئيسياً في المسار البري لمبادرة "الحزام والطريق" الذي يربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى، حيث تم تنفيذ العديد من المشاريع الكبرى في إطار المبادرة، مثل الحديقة النموذجية للتعاون في مجال القدرات الصناعية الصينية الإماراتية، والمرحلة الثانية من محطة الحاويات في ميناء خليفة، ومحطة دبي للطاقة الكهروضوئية والحرارية.
وضخت دولة الإمارات 10 مليارات دولار في صندوق استثمار صيني- إماراتي مشترك لدعم مشاريع المبادرة في شرق أفريقيا، ووقعت 13 مذكرة تفاهم مع الصين عام 2018، للاستثمار في مجالات متعددة داخل الإمارات.
وتشكل مبادرة الحزام والطريق جسرا لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين نحو 75% من سكان العالم وتهدف المبادرة إلى بناء شبكة تجارة وبنية تحتية تربط آسيا في أوروبا وأفريقيا سعياً إلى تحقيق التنمية والازدهار على نحو مشترك.
وفي ظل هذه المزايا التنافسية للإمارات، فإن مبادرة الحزام والطريق ستساهم في تعزيز قوة ومكانة الدولة مركزا عالميا للتجارة السلعية والخدمات اللوجستية ما يرسخ مكانتها كنقطة اتصال استراتيجية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.
مواجهة التحديات
تتعاون الصين مع دولة الإمارات في جهودها لمكافحة تغير المناخ، الذي يعد أبرز تهديد للبشرية في العصر الراهن.
وشاركت دولة الإمارات بوفد رفيع المستوى في الدورة الـ28 من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التي أقيمت COP28 في مدينة إكسبو دبي، خلال الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.
وأطلقت رئاسة COP28، بالتعاون مع الصين بصفتها رئيس مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي COP15، "البيان المشترك لـ COP28 بشأن المناخ والطبيعة والإنسان".
والبيان يضع إطاراً لمنهجية تحقق التكامل بين العمل المناخي وحماية الطبيعة استعداداً لكلٍ من مؤتمر الأطراف للمناخ COP30 ومؤتمر الأمم المتحدة للأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي CBD COP16، لضمان تواصل العمل والاستمرارية عبر مؤتمرات الأطراف للتنوع الحيوي والمناخ.
نموذج ملهم
تعد الشراكة الإماراتية - الصينية نموذجاً ملهماً مميزا للشراكات بين الدول الصديقة، ليس لأنها تتسم بالشمول والتنوع ولا تقتصر على جانب بعينه وتتضمن أبعاداً سياسية واقتصادية وثقافية وتعليمية وتكنولوجية فحسب، وإنما لأن هناك إرادة سياسية قوية ترسخ هذه الشراكة، وتعمل على تطويرها بشكل مستمر.
وتؤمن الصين بالدور البناء الذي تقوم به دولة الإمارات في تعزيز الأمن والسلم الدوليين ودعم الاستقرار والازدهار ونشر السلام والتسامح، وتقابله ثقة إماراتية بالدور الصيني الإيجابي في الشؤون العالمية.
ويجمع بين البلدين العديد من الأهداف المشتركة التي تتمثل في تحقيق التنمية المستدامة والنمو والازدهار والاستقرار لشعبيهما، وترسيخ العلاقات الثنائية القائمة على مبادئ وركائز أساسية مبنية على محاور عدة، أهمها السلم والتسامح والحوار والانفتاح على الثقافات المختلفة.
وأيضا على ترسيخ الأمن والاستقرار، ومد جسور التعاون والتواصل مع المجتمع الدولي والتمسك بمبادئ الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعاون والتفاهم المشترك في ظل التطورات الحالية للأوضاع الدولية.
كما يؤكد البلدان على مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحل القضايا بالطرق السلمية.