الإمارات ودعم سوريا بمجلس الأمن.. خارطة طريق شاملة لحل مستدام للأزمة
خارطة طريق شاملة لحل أزمة مزمنة رسمتها الإمارات في آخر اجتماع حول الملف السياسي والإنساني السوري خلال عضويتها في مجلس الأمن.
وعلى الرغم من أن عضوية الإمارات في مجلس الأمن الدولي التي استمرت عامين (2022-2023) تنتهي بنهاية العام الجاري، إلا أن الإمارات الحريصة على دعم الأمن والاستقرار الدولي بشكل عام ودعم القضايا العربية بشكل خاص، آثرت ترك بصمات خالدة لها في المجلس تعينه على استكمال مسيرته في معالجة عدد من الأزمات المزمنة، وعلى رأسها الأزمة السورية المستمرة منذ 13 عاما.
يأتي ذلك ضمن جهود إماراتية متواصلة لدعم سوريا على مختلف الأصعدة السياسية والإنسانية، تكللت على الصعيد السياسي بإعادة سوريا إلى حاضنتها العربية واستعادة مقعدها في الجامعة العربية خلال آخر قمة عربية في مايو/أيار الماضي.
وظهرت إنسانيا بشكل جلي خلال عملية "الفارس الشهم 2" التي انطلقت بتوجيهات من القيادة الإماراتية لتخفيف المعاناة عن الأصدقاء والأشقاء في تركيا وسوريا في أعقاب الزلزال الذي ضرب البلدين في 6 فبراير/شباط الماضي.
رؤية شاملة
وفي آخر اجتماع حول الملف السياسي والإنساني السوري خلال عضويتها في مجلس الأمن، وضعت الإمارات من خلال كلمة ألقاها، مساء أمس الخميس، السفير محمد أبوشهاب نائب مندوبة دولة الإمارات بالأمم المتحدة، رؤية شاملة لحل الأزمة حددت فيها بشكل صريح الخلل الذي يعاني منه المجلس في معالجته تلك الأزمة ويتمثل في:
- التركيز على المسار الإنساني وعدم الاهتمام بنفس القدر بالمسار السياسي رغم ارتباطهما.
- عدم اهتمام مجلس الأمن بالأزمة السورية بنفس القدر الذي يوليهِ لغيرها من الأزمات المدرجة على جدول أعماله.
- الاكتفاء بإدارة الأزمة بدلا من التركيز على معالجتها.
ووضعت الإمارات في خطابها رؤيتها لمعالجة هذا الخلل عبر:
- تكثيف العمل في مجلس الأمن على المسار السياسي.- دعم جهود المبعوث الخاص لسوريا للتوصل إلى حلٍ سلمي.
- التأكيد على أن التوصل لحلٍ سلمي هو السبيل لمعالجة الأزمة الإنسانية بشكلٍ مستدام.
- دعوة مجلس الأمن إلى الاهتمام بالأزمة السورية بنفس القدر الذي يوليهِ لغيرها من الأزمات المدرجة على جدول أعماله.
وقال السفير محمد أبوشهاب في هذا الصدد: "لقد كان جل تركيز هذا المجلس منذ عام 2014 هو تلبية احتياجات الشعب السوري من خلال إنشاء آلية إيصال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا، وتجديدها بانتظام، مما ساهم في توفير مساعدات إغاثية لملايين السوريين، ولكننا لاحظنا خلال عامي عضويتنا في مجلس الأمن، أن المسار السياسي لم يحظ باهتمام مماثل من قبل المجلس، رغم أن التوصل لحلٍ سلمي هو السبيل لمعالجة الأزمة الإنسانية بشكلٍ مستدام".
وأردف: "لهذا، وبينما تستمر المساعدات في التدفق عبر المعابر الثلاث -باب الهوى وباب السلامة والراعي- بموافقة الحكومة السورية وجهود الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني على الأرض، يجب أن يوازي ذلك تكثيف العمل في مجلس الأمن على المسار السياسي ودعم جهود المبعوث الخاص لسوريا للتوصل إلى حلٍ سلمي، باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء معاناة الشعب السوري وإحلال الأمن والاستقرار في سوريا والمنطقة.
فخلال الأعوام الماضية لم يشهد المسار السياسي خطواتٍ ملموسة تجاه إنهاء الأزمة السورية، فيما استمرت الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في التدهور إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، حيث يوجد اليوم أكثر من 15 مليون سوري بحاجة إلى تلقي المساعدات الإنسانية، الأمر الذي يقتضي أن يولي مجلس الأمن للأزمة السورية الاهتمام الذي يوليهِ لغيرها من الأزمات المدرجة على جدول أعماله".
مآلات وتداعيات
أيضا دعمت الإمارات في الكلمة التي ألقاها السفير محمد أبوشهاب، نائب مندوبة دولة الإمارات بالأمم المتحدة، بالأرقام مآلات وتداعيات ومخاطر استمرار الأزمة السورية دون التوصل لحل لها.
- استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، حيث يوجد اليوم أكثر من 15 مليون سوري بحاجة إلى تلقي المساعدات الإنسانية.
- استمرار أزمة النزوح، حيث يوجد اليوم حوالي 7 ملايين نازح سوري.
- استمرار تدهور الأوضاع الأمنية التي ستزداد سوءاً مع تصاعُد العنف في شمال-غرب سوريا وعلى الحدود الأردنية-السورية والعديد من المناطق الأخرى في أرجاء سوريا.
وفصلت الإمارات في الكلمة التي ألقاها السفير محمد أبوشهاب تلك المآلات ورؤيته لحل كل منها، قائلة: "لا شك أن إنهاء الأزمة السورية سيسهم في معالجة أحد أجسم تداعياتها، وهي أزمة النزوح، حيث يوجد اليوم حوالي 7 ملايين نازح سوري".
وبينت أن الحل "يتطلب توفير الظروف المعيشية الملائمة للعودة الطوعية والكريمة والآمنة للاجئين والنازحين، بما في ذلك عبر تنفيذ مشاريع الإنعاش المبكر".
وتابعت "ومع تأكيدنا على أهمية عمل اللجنة الدستورية من حيث مساهمتها في تعزيز الحوار بين الأطراف السورية لإنهاء الأزمة بقيادة وملكية سورية، ودون تدخلاتٍ خارجية، إلا أن عقد اجتماعها غير كاف، فالمسار السياسي أوسع نطاقاً من ذلك، ويقتضي أن تنصب كافة الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة السورية بدلاً من الاكتفاء بإدارتها".
وأكد السفير أبوشهاب "أن هذه المساعي ضرورية لمعالجة الأوضاع الأمنية التي ستزداد سوءاً دون حلٍ سياسي في الأفق".
وأردف: "فقد تابعنا بقلق تصاعُد العنف في شمال-غرب سوريا وعلى الحدود الأردنية-السورية والعديد من المناطق الأخرى في أرجاء سوريا، والذي يؤكد الحاجة لمواصلة العمل على خفض التصعيد ووقف إطلاق النار في كافة المناطق السورية".
وشدد على أن "هذهِ المسألة باتت ملحة خاصة في ظل اشتعال التوترات في منطقتنا، فالأوضاع في سوريا لا تحتمل مزيداً من التصعيد".
دعم متواصل
واختتمت الإمارات كلمتها بتجديد التأكيد على دعمها لجهود حل تلك الأزمة.
وقالت في هذا الصدد: "نتطلع إلى اليوم الذي تطوي فيه سوريا صفحة النزاع ويعود الأمن والاستقرار إلى ربوعها، فالشعب السوري ذو الحضارة العريقة يستحق مستقبلاً أفضل وأن يعيش بكرامة في وطنه كما عرفناه دوماً".
وأردفت "وستظل دولة الإمارات داعمةً للجهود الإقليمية والدولية الهادفة لتحقيق هذه الغايات".
كلمة تبرز دعما إماراتيا متواصلا لحل تلك الأزمة على أكثر من صعيد، أيضا تكشف إصرارا إماراتيا على إيلاء مجلس الأمن حل تلك الأزمة بشكل مستدام عبر الحل السياسي السلمي، والاهتمام الذي يجب أن تحظى به.
ولطالما دعت الإمارات عبر عضويتها في المجلس على مداري عامي 2022 و2023 المجلس إلى التركيز على الحل السياسي لحل تلك الأزمة.
فسبق أن أكدت خلال اجتماع 27 سبتمبر/أيلول الماضي أهمية التركيز على "المسار السياسي في سوريا، حيث تؤكد دولة الإمارات أهمية استمرار الحوار وبناء الثقة بين الأطراف السورية، بما يضمن التوصل إلى حل سياسي بقيادة وملكية سورية، باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة".
ودعت المجتمع الدولي إلى دعم مجموعة الاتصال العربية بشأن سوريا التي تشكلت قبل عدة أشهر، وعقدت أول اجتماع لها أغسطس/آب الماضي.
وهو الأمر الذي أكدته في اجتماعات سابقة ولاحقة على هذا الاجتماع، من بينها الاجتماع الذي عقد 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي أكدت فيه أنها "تدعمُ جهود المبعوث الخاص ومجموعة الاتصال العربية لعقد اجتماعات اللجنة الدستورية نهاية هذا العام والتي ستسهم في تعزيز الحوار بين الأطراف السورية لإنهاء الأزمة بقيادة وملكية سورية ودون تدخلاتٍ خارجية، حيث نشدد على أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لحلِ هذه الأزمة".
جهود إنسانية وسياسية
مع إطالة أمد الأزمة السورية وارتفاع تكلفتها السياسية والإنسانية، قادت دولة الإمارات في السنوات الأخيرة جهودا لإعادة سوريا لحاضنتها العربية، مؤكدة أن الحل السياسي هو الوحيد لإنهاء الأزمة السورية، وشددت على أهمية إيجاد دور عربي فاعل في جهود الحل السياسي ومساعدة سوريا في العودة إلى محيطها العربي.
وترجمت دولة الإمارات هذا التوجه بالفعل على أرض الواقع عبر أكثر من محطة، بدأتها دبلوماسيا بإعادة افتتاح سفارتها في دمشق ديسمبر/كانون الأول 2018، وتوجته باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد في مارس/آذار 2022، في أول زيارة لدولة عربية منذ 11 عاما، قبل أن تستقبله مجددا في مارس/آذار الماضي، بعد نحو شهر من زيارته سلطنة عمان 20 فبراير/شباط الماضي، ضمن خطوات تقارب سوري عربي شهدتها الفترة القليلة الماضية، دشنتها أبوظبي، وتسارعت وتيرتها بعد الزلزال الذي ضرب سوريا.
تلك الجهود أسهمت في تهيئة مناخ عربي داعم لعودة سوريا إلى حاضنتها العربية، خصوصا بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد 6 فبراير/شباط الماضي.
وتوجت تلك الجهود باستعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية، ومشاركة رئيسها في القمة العربية التي انعقدت بالسعودية 19 مايو/أيار الماضي.
على الصعيد الإنساني، شكلت "عملية الفارس الشهم 2" التي انطلقت بتوجيهات من القيادة الإماراتية لتخفيف المعاناة عن الأصدقاء والأشقاء في تركيا وسوريا في أعقاب الزلزال الذي ضرب البلدين في 6 فبراير/شباط الماضي أسمى صور التضامن والأخوة الإنسانية.
مبادرة، قادها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، وجعلت الإمارات في صدارة دول العالم الداعمة للشعبين التركي والسوري، بحجم تبرعات هو الأضخم، إذ تجاوز 150 مليون دولار، منها 100 مليون دولار لسوريا.
وأكدت سوريا على لسان أكثر من مسؤول أن الشعب السوري لن ينسى المواقف والمبادرات الإنسانية التي تقودها دولة الإمارات.
وشددت دمشق على أن الشعب السوري لا ينظر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها دولة التقدم والتحضر والمدنية فقط، بل ينظر أولاً إلى القيم والمبادئ والأخلاق التي يتميز بها شعبها، الذي يمتثل نهج المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتوجيهات قيادتها الرشيدة التي تعد مثالاً يحتذى في العطاء والمحبة والمثل العليا.