البنك المركزي الأمريكي.. بطل الأزمات لأكثر من مائة عام
يلعب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي يقوم بمهام البنك المركزي دورا محوريا في إدارة الأزمات في العصر الحديث
مجلس الاحتياطي الفيدرالي أو "البنك المركزي الأمريكي" هو حاليا ملء السمع والبصر، خصوصا مع بذله جهودا غير مسبوقة لدعم القطاع المالي عبر ضخ تريليونات الدولارات في أكبر اقتصادات العالم، الذي كان يتمتع بوضع جيد لكنه سرعان ما تدهور على وقع تفشي وباء كوفيد-19.
ويلعب مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي دور البنك المركزي في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعد أكبر وأهم مصرف في العالم بفضل قدراته الواسعة في توظيف أدوات السياسة النقدية في إدارة الأزمات محليا وعالميا، والتأثير على معدلات النمو التضخم والفائدة عالميا.
- "حقيقة لا نعلم".. رد المركزي الأمريكي على توقيت تعافي الاقتصاد
- رغبة ترامب تتحقق.. الدولار يهبط مع تعزيز المركزي الأمريكي للسيولة
ولكن محاولة فهم كيفية عمل تلك المؤسسة يمكن أن تساعد على فهم أفضل للاقتصاد الأمريكي، خاصة وسط أزمة عالمية قد تزيد من رسوخ حقيقة أن الفيدرالي الأمريكي بطل كل الأزمات.
وفي هذا التقرير نستعرض نقاط ربما لا تعرفها عن البنك المركزي لأكبر اقتصاد في العالم.
- التأسيس والمقر
تأسس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في ديسمبر/ كانون الأول 1913 بموجب قانون الاحتياطي الفيدرالي، لمقابلة سلسلة الأزمات الاقتصادية خاصة حالة الذعر الشديد في عام 1907، حيث دفع ركود الاقتصاد إلى تنفيذ عمليات مفاجئة لسحب الأموال المودعة في البنوك والأموال المستثمرة بواسطة بنوك الاستثمار، ما أدى إلى إفلاس العديد من الشركات والبنوك.
وكان الهدف من الفيدرالي الأمريكي هوتحقيق النظام والاستقرار المالي في البلاد ضد الاضطرابات المالية.
- رئيس مجلس الاحتياطي
ويقع مقره الرئيسي في العاصمة واشنطن، ويتم تعيين رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي بواسطة الرئيس الأمريكي، وتصل مدة ولايته إلى 4 سنوات قابلة للتجديد.
ويضم الاحتياطي الفيدرالي تحت مظلته 12 بنكا مركزيا فيدراليا موزعا في 12 ولاية هي هي بوسطن ونيويورك وفيلادلفيا وشيفلاند وأتلانتا وشيكاجو ومينيابوليس وكانساس ودالاس وسان فرانسيسكو ولويزيانا وكليفلاند وفرجينيا.
كما أنه يتألف من مجلس محافظين يضم 7 محافظين تمتد فترة ولايتهم حتى 14 عام ويترأس المجلس رئيس الفيدرالي الأمريكي، إلى جانب ضم اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة والتي تجتمع ثماني مرات سنويا لتحديد أسعار الفائدة الرئيسية.
- 5 مهام رئيسية
ينصب اهتمام الفيدرالي الأمريكي على إدارة 3 قضايا رئيسية هي أسعار الفائدة والنمو والتضخم، وهي عناصر يؤثر كل منها في الآخر.
وبحسب بيانات الموقع الإلكتروني لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فإنه يباشر 5 مهام رئيسية، في مقدمتها إدارة السياسة النقدية للدولة لتعزيز الحد الأقصى للعمالة، والأسعار المستقرة، وأسعار الفائدة المعتدلة على المدى الطويل في الولايات المتحدة.
ويعمل على استقرار النظام المالي، ويسعى لتقليل واحتواء المخاطر النظامية من خلال المراقبة النشطة والمشاركة في الولايات المتحدة وخارجها، إلى جانب دعم سلامة المؤسسات المالية الفردية ومراقبة تأثيرها على النظام المالي ككل.
هذا فضلا عن تعزيز سلامة وكفاءة نظام الدفع والتسوية عبر الخدمات المقدمة إلى الصناعة المصرفية والحكومة الأمريكية التي تسهل المعاملات والمدفوعات بالدولار الأمريكي.
وأخيرا يباشر المجلس نشاط حماية المستهلك وتنمية المجتمع من خلال الإشراف والبحث والتحليل لقضايا واتجاهات المستهلكين، وأنشطة التنمية الاقتصادية المجتمعية، وإدارة قوانين ولوائح المستهلكين.
- سلاح أسعار الفائدة وأسواق العالم
ويعد مجلس الفيدرالي الأمريكي أحد أهم المؤسسات المالية تأثيرا في الاقتصاد العالمي، لاسيما عند استخداد سلاح أسعار الفائدة في إدارة التضخم والنمو.
فأي تحرك في أسعار الفائدة يؤثر بدوره على سعر صرف الدولار الأمريكي ما يعنى تأثيرا على الاقتصاد العالمى بأكمله، حيث يؤثر القرار على قدرة جميع الدول على إصدار سندات بالعملة الأمريكية، فضلاً عن مرودوه على القدرات التصديرية، لاسيما أن أكثرمن 80 % من مبادلات العملات الأجنبية في العالم تتم بواسطة الدولار.
- أزمة 2008
من جهة أخرى، لعب الاحتياطي الفيدرالي دورا محوريا في احتواء الأزمات العالمية، وأبرزها في العصر الحديث الأزمة المالية العالمية في عام 2008، والتي نشأت نتيجة توسع البنوك في نشاط الرهن العقاري وتقديم تسهيلات كبيرة للعملاء دون أن يقابلها ضمانات كافية.
وتدخل الاحتياطي الفيدرالي آنذاك بتنفيذ خطة إنقاذ مالي بتكلفة 700 مليار دولار لمساندة المصارف والمؤسسات المالية التي تعاني من تفاقم الديون المشكوك في تحصيلها.
وخلال الأزمة أنقذ الفيدرالي الأمريكي شركة التأمين أيه آي جي بتقديم تسهيلات ائتمانية بمبلغ 85 مليار دولار، ارتفعت لاحقا الى 180 مليار دولار مقابل امتلاك 80% من اسهمها.
وأثناء ذلك ساهمت مؤسسات مالية أمريكية في مساندة الاقتصاد، مثل بنك جي بي مورجان الذي نجح في شراء بنك بير ستيرنز الاستثماري والذي كان يعاني من خسائر فادحة، إلى جانب الاستحواذ على مؤسسة واشنطن ميتشوال أحد أكبر مؤسسات الادخار.
- كورونا أحدث معارك الفيدرالي
والآن يباشر الاحتياطي الفيدرالي برئاسة جيروم باول دوره في إدارة تداعيات كورونا على الاقتصاد الأمريكي، حيث قام بسلسلة تخفيضات لأسعار الفائدة حتى انخفضت إلى ما بين 0.25% وصفر بغرض تقليل تكلفة التمويل وتحفيز الاقتصاد، فضلاً عن تنفيذ خطة حزمة تمويل بقيمة 4 تريليونات دولار لدعم الاقتصاد.
التخفيض الذي شهدته أسعار الفائدة قلل مؤقتا من حدة التوتر الدائر بين جيروم والرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وصف بدوره الأول بالفاشل في 2019 بسبب رفض الفيدرالي آنذاك خفض الفائدة التي كانت تتحرك أعلى 2%.
غير أن الخلاف عاد مجددا هذه الأيام إثر توقع الاحتياطي الفيدرالي انكماش الاقتصاد الأمريكي بنسبة 6.5% هذا العام.
وهو ما خالف توقعات ترامب الذي قال في تغريدة له "سنحظى بفصل ثالث جيد جداً، وفصل رابع رائع، وإحدى أفضل سنواتنا على الإطلاق في العام 2021، الاحتياطي الفيدرالي يخطئ دوما".
لكن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ورغم تسخرية ترامب، جدد تعهده ببذل كل جهد ممكن لإعادة سوق العمل الأمريكية إلى القوة التي كانت عليها قبل فيروس كورونا.. فهل يفوز الفيدرالي في معركة كورونا ليستمر بطلا أمام كل الأزمات الاقتصادية؟