إبان الحرب العالمية الأولى ولعقود تلتها، كانت الولايات المتحدة أكبر مصدر للنفط في العالم.
تقارير الخبراء "لا تدع مجالا كبيرا للتفاؤل".. هذه مقولة جون كدمان، رئيس مجلس إدارة شركة الزيت الإنجليزية الفارسية، حول إمكانية وجود النفط في الجانب العربي من الخليج، بعد اكتشافه في إيران عام 1908.
رغم ذلك، تقدمت مجموعة بريطانية غير تابعة للحكومة، إيسترن آند جنرال، للملك عبدالعزيز بطلب الحصول على امتياز للتنقيب عن النفط في الأحساء وحصلت عليه عام 1923، لتبدأ عملية الاكتشاف وتنتهي بتأكيد، إيستران آند جنرال، أن المنطقة خالية من أي دليل على وجود الزيت، وأن التنقيب في الأحساء لا يعدو كونه "مقامرة صرفة".
بابتسامة منتشية، كان أمين الناصر يقول من وراء نظارة لم تُخْفِ بريق الانتصار في عينيه، إن حقل الجافورة هو أكبر مشروع لتطوير الغاز الصخري في العالم خارج أمريكا، وإن أرامكو كانت تنقب في تلك المنطقة منذ سبع سنوات، حفرت خلالها 1500 بئر، حتى توصلت لإثبات الجدوى التجارية لهذا المشروع.
آنذاك كان الملك عبدالعزيز يحاول بناء مملكته، ويبحث عن الموارد التي تضمن لشعبه حياة كريمة، بعيدا عن أطماع المستعمرين في الجوار.
إبان الحرب العالمية الأولى ولعقود تلتها، كانت الولايات المتحدة أكبر مصدر للنفط في العالم، وبعد أن تنبهت شركات النفط الأمريكية لزيادة الطلب على الخام، بفعل التوسع في صناعة السيارات خلال عشرينيات القرن الماضي، كانت تسعى للتوسع في عمليات التنقيب خارج حدودها، واتفقت إحدى هذه الشركات، سوكال (شفرون حاليا)، مع الحكومة البريطانية على التنقيب عن النفط في جزر البحرين، بعد اكتشافه في العراق بعد إيران.
تقول الرواية إن جيولوجيّا أمريكيا، يُدعى فريد ديفيس، كان يمسح جبل دخان البحريني، عام 1930، وتمكن من رؤية جبال داكنة مشابهة تبعد أربعين كيلومترا على الجهة الأخرى من الخليج، هي نفسها التي يقف عليها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء" حاليا، وقال ديفيس في نفسه، إنه إذا كانت الطبقات الأرضية التي أقف عليها تحتوي على النفط، فإن التشكيلات الصخرية على الجانب الآخر من الممكن أن تحتوي النفط أيضا.
بعد أن اختار ديفيس موقع أول بئر استكشافية في البحرين وعاد لسان فرانسيسكو، اقترح على رؤسائه توسيع امتياز الاكتشاف والتنقيب ليشمل شبه الجزيرة العربية.
منح الملك عبدالعزيز سوكال امتيازا للتنقيب، بعد مفاوضات مطولة، ووقع مع الشركة اتفاقية تضم سبعا وثلاثين مادة، ليدشن حقبة جديدة من البحث عن النفط، وسط تفاؤل حذر، بعد توحيد المملكة بنحو تسعة أشهر.
لم تفض محاولات الاكتشاف والحفر الأولية إلى نتائج جيدة، البئران الأولى والثانية ورغم ظهور النفط فيهما، لم تضخا كميات تجارية، وكانت كميات النفط تتناقص منها يوما بعد يوم، وهو ما دفع سوكال لخفض نفقات أعمال الحفر، التي استمرت خمس سنوات، وكانت مشاعر الإحباط تتزايد فيها يوما بعد يوم، حتى كادت تصل لحافة اليأس.
كان المسؤولون في سوكال متخوفين فعلا من "فشل المغامرة في السعودية"، إلا أن كبير الجيولوجيين أوصى باستمرار أعمال الحفر في البئر رقم 7، وبعد أشهر قليلة، فيما كان مديرو سوكال في سان فرانسيسكو على وشك تعليق المشروع في قبة الدمام، كانت فرق الحفر ترقص فرحا، بعد أن ضخت البئر رقم 7 ألفا وخمسمئة برميل في اليوم، ارتفعت بعد تعميق الحفر إلى كيلو ونصف الكيلو إلى ثلاثة آلاف وسبعمئة برميل في اليوم، انتشر الخبر سريعا، وكانت كلمة السر "علينا الحفر بعمق أكبر"!.
أدخلت البئر رقم 7 السعودية في مرحلة تاريخية جديدة، أدار الملك عبدالعزيز عجلة تصدير أول شحنة للخام السعودي من رأس تنورة معلنا دخول مملكته لمصاف الدول النفطية.
حمل ذلك التاريخ الكثير من التفاصيل المصيرية للمملكة؛ فأعمال التنقيب والاكتشاف حدثت في الفترة الزمنية ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، وتداخلت مع توحيد وتأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز، وحين توالت الاكتشافات في حقل أبوحدرية وحقل بقيق، لم تحظَ بصداها نتيجة لتراجع الإنتاج بسبب الحرب، إلا أن سوكال لم تستطِع إدارة الاكتشافات بمفردها، فتحالفت مع تكساكو، وتوسع هذا التحالف لاحقا، ليشمل شركتي إكسون وموبيل، وعلى الرغم من أن الحرب ضغطت على الإنتاج؛ فإن الطلب على النفط شهد طفرة في منتصف الأربعينيات مع نهاية الحرب العالمية الثانية.
اليوم وبعد مرور أكثر من ثمانين عاما على اكتشاف النفط في السعودية، أصبح تحالف الشركات الأجنبية شركة سعودية تسمى أرامكو، وهذه الشركة أعلنت قبل أسابيع عن اكتشاف أول حقل غاز صخري في السعودية، وكانت لي فرصة إجراء أول لقاء صحفي مع رئيسها التنفيذي، أمين الناصر، بعد فترة الصمت التي تلت اكتتاب أرامكو وإدراجها في السوق السعودية، واللقاء تطرق، طبعا، لحقل الجافورة الذي تم اكتشافه مؤخرا.
بابتسامة منتشية، كان أمين الناصر يقول من وراء نظارة لم تُخْفِ بريق الانتصار في عينيه، إن حقل الجافورة هو أكبر مشروع لتطوير الغاز الصخري في العالم خارج أمريكا، وإن أرامكو كانت تنقب في تلك المنطقة منذ سبع سنوات، حفرت خلالها 1500 بئر، حتى توصلت لإثبات الجدوى التجارية لهذا المشروع، كانت نبرته المتحدية تشي بالقول إن أرامكو السعودية كانت مستعدة للذهاب لأبعد من ذلك في سبيل اكتشاف الموارد تحت الأرض، مهما كلف الثمن.
خلال حديث الناصر، كان شريط "المقامرة البريطانية الصرفة" يدور في رأسي، بالإضافة، طبعا، لشريط القرار الذي كان يأتي من سان فرانسيسكو، ليوجه "مغامرة الحفر" في الرمال السعودية، كنت أسترجع قصة الآبار السبع وعمق الحفر، وسط كل مشاعر الإحباط على حافة اليأس، وبعض بصيص الأمل.
عرفت أن حقل الجافورة الصخري تم اكتشافه في الأحساء، على مساحة سبعة عشر ألف كيلومتر، وتقدر موارده من الغاز بنحو مئتي تريليون قدم مكعبة، وأن الغاز يوجد تحت عمق أربعة كيلومترات، في طبقة جيولوجية تسمى تكوين "طويق"، هذا التكوين يمتد من الأحساء إلى نجد ويبرز بمسمى "جبل طويق" فوق الأرض، في الرياض، ذلك الجبل الذي وصفه ولي العهد محمد بن سلمان برمز الشموخ السعودي.
وددت سؤال الناصر عما إذا كان يعتقد أن زيادة عمق الحفر من الممكن أن تجعل الجافورة أكبر مشروع للغاز الصخري في العالم، أريد المزيد من المعلومات حول عمليات الحفر، كنت على وشك سؤاله عما إذا كان قد تخيل، عندما تخرج من جامعة البترول السعودية قبل أربعين عاما، أنه سيشرف على تطوير ثورة الغاز الصخري في المملكة، إلا أن وقت اللقاء كان قد انتهى قبل نهاية شريط الأفكار في عقلي.
بعد اللقاء، نهض الناصر من الكرسي، كان يمشي إلى الباب وكانت أسئلة عقلي تلاحقه، وعندها وعدت نفسي بأن أسأله يوما ما عن "المادة 23" التي أصر الملك عبدالعزيز على إضافتها إلى اتفاقية امتياز النفط الذي منحه لسوكال، وأثر هذه المادة في أن تكون أرامكو على ما هي عليه اليوم، سؤال ستكون بعده، بكل تأكيد، للحديث بقية.
* نقلا عن العربية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة