تتحول المعرفة إلى القيام بفعل أو الامتناع عنه حسب ما يأمر به الفكر.. هذه هي المرحلة التي تفرق بين إنسان وآخر وبين فعل وآخر.
يتميز الإنسان عن غيره من المخلوقات بالعقل بالفكر والمعرفة والقدرة على أن يستثمرها وأن يضيف إليها. تلك هبات ونعم أسبغها الله على البشر، عليهم إدراك أهميتها وضرورة تنميتها، وصقلها كى تحقق الاستخدام الأفضل للموارد البشرية والطبيعية. هذه المعلومات وتلك المعرفة تدفع الإنسان إلى الشعور والتفكير.
وتتجاذب كل إنسان أحاسيس لا حصر لها كما ونوعا، منها الإيجابى ومنها السلبى، تمتزج ما بين سعادة وغضب، محبة ورفض، احترام أو ازدراء، تباين بين رغبة فى التعاون والتكامل أو اللامبالاة، وبين سلبية تامة أو إقدام على المشاركة. ولا غضاضة فى كل ذلك فكلنا بشر وكلنا نتعامل مع الأحداث والأفراد بشحنة هائلة من الطاقة والمشاعر المتباينة. إن كان ذلك صحيحاً ومقبولا فما الذى يفرق بين الخطأ والصواب وبين شخص وآخر؟ ترتبط الإجابة بمسيرة عملية التأثير على العقل.
تسلسل هذه العملية يبدأ بالمعلومات والبيانات، ثم المعرفة والفهم، ثم التفكير الذى يحدد الآراء والمواقف واتخاذ القرار، إما بالقيام بفعل أو الامتناع عن الفعل واتخاذ القرار.
المعلومات أصبحت من اهتمامات الإنسان وأصبح تداولها على أوسع نطاق بين الأفراد والمؤسسات والدول. ظهر ما أطلق عليه ثورة المعلومات وأنشئت مراكز المعلومات لكن المعلومات، وحدها لا تكفي، المهم هو وصول هذه المعلومات للفرد وإيضاحها وفهمها، ذلك الفهم هو الذى يؤدى إلى المعرفة ويجعلها جزءا من تفكيره وتساهم فى اتخاذ قراراته. المعلومات يتشربها الإنسان يقبلها أو يرفضها، يحاورها فى عقله أو مع الآخرين، باختصار تظل جامدة إلى أن يتعامل معها العقل، والعقل وظيفته الفكر والتفكير.
مصادر المعلومات متعددة منها ما يقرأه فى الكتب والصحف والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى (الصحيح منها والكاذب) ومختلف وسائل الاتصال يتأثر بكل ما حوله من كلمات وأفعال وأقوال وأحداث وحوادث. هذه المعلومات تصل إليه إما بإرادته عندما يبحث عنها أو تفرض عليه بطريقة أو أخري. المهم هنا أن يفهمها يستوعبها يدرك مدى صدقها.المعلومة لا تصبح مفيدة إلا إذا عرفها الإنسان والعلاقة وثيقة بين المعلومات والمعرفة.
هناك رأى بأن المعلومات أوسع وأكثر شمولا فكل شيء نراه نسمعه أو نقرأه يتضمن معلومة ما، وهناك رأى آخر أن المعرفة هى الأكثر شمولا فهى لا نهاية لها ودونها ليس للمعلومات قيمة، على أى حال وبغض النظر على هذا الجدل فإنه جدل نظرى أكاديمى من الناحية العملية هما يتكاملان، والمعلومة تؤدى إلى المعرفة والاثنتان فى نفس الأهمية ويأتى الفكر على مستوى كليهما.
المعلومات الصحيحة توجه العقل إلى المعرفة الصحيحة. وبالتالى إلى القول الصحيح والفعل الصحيح، كما تؤدى إلى اتساق بين الفكر والقول والفعل، ذلك الاتساق الذى هو أساس الصحة النفسية وإلا كان الانفصام أو التردي. المعلومات المغلوطة أو المغرضة تقود إلى عكس ذلك تماما.
هذه حقيقة يدركها المخلصون ويدركها أيضاً المضللون ويستخدمونها حسب أهدافهم. المعلومات غير الصحيحة نتيجتها معرفة خاطئة، وبالتالى خطاب مغلوط وفعل منحرف.
تتحول المعرفة إلى القيام بفعل أو الامتناع عنه حسب ما يأمر به الفكر،، هذه هى المرحلة التى تفرق بين إنسان وآخر وبين فعل وآخر. البعض يترك المسيرة فى مجراها مندفعة والبعض يتروى فى مرحلة الفكر قبل اختيار وسائل التعبير عنه التى قد تكون بالأقوال أو الأفعال أو الصمت... وهذه هى التى يمكن الحكم عليها بالخير أو الشر، بالإيجابى أو السلبي، بالالتزام أو الانحراف.
صحيح أنها كلها مسيرة متصلة مترابطة، تتم بسرعة البرق أحيانا، بحيث لا ندرك أنها مراحل متعددة ولا يشعر الإنسان بالانتقال من مرحلة لأخرى ولكنها تتميز عن بعضها وتختلف، فقد يخطيء الإنسان بمشاعره ولكن يمكن تصحيحها ويتحكم فيها بفكره، ويمكن أن يخطيء بفكرة ما، ثم يصوبها فكر آخر أو مشاعر أكثر ارتقاء، فلا يرتكب الخطأ. فالمشاعر الغاضبة مثلا التى تحفز العقل إلى توليد أفكار مدمرة يمكن أن يشفيها فكر آخر يدعو إلى التزام الحكمة.. والفكر لا يغيره إلا فكر آخر.
وقد جاء القانون لينظم ويحكم ويحاسب على أساس المرحلة الأخيرة، فلا عقاب على الأحاسيس والشعور ولا يجوز أن يكون هناك عقاب على الفكر. العقاب على مجرد الفكر انتهاك لحق من حقوق الإنسان. العقاب لا يجوز إلا على الفعل فهو الذى يخرج من الإنسان لينال من غيره ويصيب غيره خيرا أو شرا فيستحق العقاب أو الثواب... والمحاسبة لا تكون على القول إلا إذا ألحق ضرراً بالغير. والمجتمع يتحدد شكله ومصيره حسب حركة الفكر، فهو الذى قد يدعو إلى أفضل الأفعال أو أسوئها، والمشاعر تتلمس التوجيه الصحيح من الفكر المتوازن، لذلك فإن الارتقاء والتقدم يكمنان فى معرفة كيف يكون الفكر وسيلة لتهذيب وتطوير هذه المشاعر والقيم والارتقاء بها. المعرفة عملية تأتى للإنسان عادة من خارجه، مما حوله، ومن حوله، ومن وسائل الاتصال والمعلومات وهى عديدة. أما الفكر فهو نابع، عملية تأتى للإنسان من داخله عندما تصبح المعرفة جزءا من بنية الإنسان وشخصيته.. تحدد أفعاله وتصبح عملية التفكير هى التى تملى الخطاب وتحدد العقل.
آليات تصحيح الفكر وبالتالى الخطاب سبق أن سردناها... منها التعليم الذى يشكل العقل والفكر عن طريق أسلوب التدريس والمناهج، وأيضا عن طريق تعليم وتنمية التفكير فأين نحن من كل هذا؟ والحديث مستمر.
*نقلا عن الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة