في اليونان بدأ أوباما جولته الأوروبية. ألقى خطاباً في البارثينون على جبل أكروبوليس، رمز الحضارة الإغريقية التي تفخر بها القارة العتيقة، وتعتبرها أساس تقدمها العلمي والفلسفي
في اليونان بدأ أوباما جولته الأوروبية. ألقى خطاباً في البارثينون على جبل أكروبوليس، رمز الحضارة الإغريقية التي تفخر بها القارة العتيقة، وتعتبرها أساس تقدمها العلمي والفلسفي وأصل ديموقراطيتها. تعمد الرئيس المثقف أن «يحاضر» من هذا المكان الرمزي ليقول أن أميركا جزء من العالم المتقدم، على رغم انتخاب أحد المتمردين على «الإستبليشمنت» ليحل مكانه في البيت الأبيض، أو ليعتذر نيابة عن الأميركيين عن هذه «الفعلة» التي اعتبرها الأوروبيون كارثة ستنهي العلاقات القوية القائمة عبر الأطلسي، وبدأوا يبحثون عن بدائل، بينها تشكيل جيش خاص، بعدما أعلن ترامب أنه سيجبر الدول التي تحظى بحماية واشنطن على دفع ثمن الحماية، واعتبر بروكسيل «قرية» في مكان ما في القارة.
ترامب ليس المسؤول الأميركي الوحيد الذي لديه هذه النظرة الدونية إلى أوروبا. سبقه إلى ذلك جورج بوش الابن ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، اللذان كانا يحتقران أي شيء أوروبي، حتى رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير لم يسلم من احتقارهما، على رغم تبعيته الموصوفة لواشنطن، وصداقته العميقة مع بوش.
في معنى آخر، ترامب لا يمثل نفسه فقط. رؤيته إلى أوروبا منتشرة وسط الشرائح العليا والدنيا في أميركا. انتخبه نصف الأميركيين، على الأقل، وأصبح رئيساً للجميع على أساس عنصري شوفيني. وهو في طور اختيار إدارة تمثل هذا التوجه. الأسماء المطروحة لا تطمئن أحداً خارج الولايات المتحدة لا الأعداء ولا الأصدقاء.
خوف الأوروبيين مبرر. اعتادوا على المنقذ، منذ مئة عام إلى اليوم، أي من الحرب الكبرى إلى الحملة على الإرهاب، مروراً بالحرب العالمية الثانية ومشروع مارشال والتصدي للاتحاد السوفياتي و «خطر» الشيوعية. وتأسس الحلف الأطلسي مظلة لهم. طوال هذا القرن كانت واشنطن ولي أمرهم، في معنى من المعاني. ورثت مستعمراتهم ووزعت عليهم بعض الحصص هنا وهناك. والآن يأتي رئيس ليقول لهم كفى. عليكم أن تمولوا الحلف العسكري مثلما نموله. سنحاور خصمكم في موسكو.
موقف بريطانيا أفضل تعبير عن فجيعة أوروبا بفقدان الأب، فهي تتمتع بعلاقات مميزة مع واشنطن، وتشعر بأن الأب تخلى عنها. أحست بالغبن لأن رئيسة وزرائها تيريزا ماي كانت العاشرة بين الرؤساء الذين اتصل بهم ترامب بعد انتخابه.
لم يعد مهماً، بالنسبة إلى أوروبا، قول أوباما من الأكروبوليس أن أميركا عززت قواتها في القارة وأن الأطلسي «أقوى تحالف في العالم وأكثر استعداداً من أي وقت مضى»، وهو تحالف «الدول الديموقراطية». ولم تعد مهمة دعوته إلى «تصحيح مسار العولمة»، ولا شعوره الإنساني بأن «انعدام المساواة» يؤدي إلى التقوقع على الذات والعودة إلى القومية، ولا تأكيده أن «العالم اليوم بات في حاجة إلى أوروبا ديموقراطية أكثر من أي يوم مضى».
كل هذا ليس مهماً فالرئيس المغادر لم يعد قوياً، آراؤه لن تجد من يطبقها في أميركا. لذا لم تحظ جولته الأوروبية بتغطية إعلامية تليق برئيس أهم دولة في العالم، بعدما كانت وسائل الإعلام تتسابق لنقل أي تصريح يدلي به، وتضعه في صدر صفحاتها الأولى، وفي بداية كل نشرة أخبار.
أوباما لم يعد مفيداً. عاش ترامب وليكن ما يكون. المهم أن يرضى الأب، ربما يعيد القارة القديمة إلى أحضانه.
* نقلاً عن " الحياة "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة