حتاجت روسيا لحوالي العقد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لتوقف انحدارها، ولحوالي عقد آخر لتفرض نفسها قوة وازنة في الساحة العالمية
احتاجت روسيا لحوالي العقد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لتوقف انحدارها، ولحوالي عقد آخر لتفرض نفسها قوة وازنة في الساحة العالمية وربما لا ينتهي العقد الثالث إلا وتصبح روسيا نداً قوياً للولايات المتحدة في صراعات النفوذ العالمية.
خسرت روسيا بانهيار الحرب الباردة، أوروبا الشرقية ومعظم جمهوريات القوقاز وآسيا الوسطى وموقعاً كان لها يمتد على مدى الساحة العالمية. بعد ذلك وجدت روسيا نفسها منحبسة داخل الصقيع السيبيري.
قليلة هي الدول السوفييتية السابقة التي بقيت وفية لعلاقات جيدة مع روسيا. لذلك بذلت روسيا جهوداً كبيرة لترميم العلاقة ولو في حد أدنى مع العديد من الجمهوريات السوفييتية السابقة. أسست رابطة الدولة المستقلة التي أعادت تذكير هذه الجمهوريات بروابطها السوفييتية السابقة.
ومن بعد ذلك كان سعي روسي كبير لتأسيس رابطة دول «البريكس» التي تضم دولاً وقوى عالمية مثل البرازيل والصين والهند وجنوب إفريقيا إضافة إلى روسيا. كذلك عملت روسيا على تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون التي تضمها مع الصين ودول في آسيا الوسطى ومؤخراً إيران.
ومن خلال شبكة هذه المنظمات الدولية تحاول روسيا تشييد حزام أمان متعدد الأبعاد والمستويات بحيث تكون مطية أساسية ومهمة لعودة روسيا كقطب جبار كما كانت أيام الاتحاد السوفييتي.
المهمة بالطبع صعبة لكنها مقارنة بما كانت عليه بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، تحقق خطوات جبارة ونوعية.
لا شك أن الاضطرابات التي عرفت باسم «الربيع العربي» تركت جرحاً كبيراً في النفوذ الروسي في حوض المتوسط والمنطقة عموماً. وكان مثال ذلك في ليبيا.
كانت ليبيا منطقة نفوذ روسية. صحيح أن معمر القذافي أنهى مشكلاته مع الغرب بسبب حادثة لوكربي ودفع مليارات الدولارات لذوي الضحايا، لكن ليبيا استمرت تشكل قاعدة سياسية ومنطقة نفوذ لروسيا بشكل أو بآخر.
جاء القرار الأممي حول ليبيا ليفسر بطريقة مغايرة من جانب الولايات المتحدة وفرنسا بحيث أعدوا العدة العسكرية للتدخل في ليبيا وهو ما اعترضت عليه روسيا لأن القرار لا ينص بصراحة على استخدام القوة العسكرية لإسقاط النظام الليبي.
لكن الأمور سارت على ما يريده الغرب وحلف الأطلسي، الذين تمكنوا من تغيير القذافي وقتله والسيطرة على البلاد ولو عبر مجموعات متناحرة. وفي النهاية خرجت روسيا من ليبيا ومن النفوذ في شمال إفريقيا والحوض الجنوبي للمتوسط.
ثم جاءت الأزمة في سوريا وانفجار الحرب فيها لتشكل امتحاناً لما يمكن لروسيا أن تقوم به.
لم يتبق لروسيا في حوض المتوسط قاطبة من منفذ بري سوى الساحل السوري. وفي حال فقدت روسيا سوريا فهي ستبقى محرومة من أي مرفأ على المتوسط وهذا أمر خطر جداً على الأمن القومي الروسي وعلى دورها في المتوسط ونفوذها في العالم. رأت روسيا أن الغرب غدر بها في ليبيا. لكن في سوريا لن تسمح بتكرار الخديعة ولو كلفها ذلك الكثير من المال والسلاح والأرواح.
لذلك رأينا كيف أنها ألقت بثقلها وكل قدراتها العسكرية على الأرض، والسياسية في مجلس الأمن عبر الفيتوات التي استخدمتها. وأخيراً جاءت بنفسها في نهاية سبتمبر/أيلول 2015 إلى سوريا بجنودها وخبرائها ودباباتها وصواريخها وطائراتها وبوارجها لتغير من موازين القوى وتقول للغرب إنه ممنوع أن تحرم من سوريا ولو تطلب الأمر حرباً عالمية.
لا يجادل أحد في أن هذا الاستنتاج صحيح بنسبة مئة في المئة. وهو ما يجعل الولايات المتحدة غير مستعدة لحرب عالمية مع روسيا من أجل سوريا.
اليوم تحقق روسيا المزيد من النقاط: تقارب مع تركيا الأطلسية. إسهام واضح في فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية عبر اختراق بريد هيلاري كلينتون، فوز رومين راديف المقرب من روسيا برئاسة الجمهورية البلغارية. فوز ايغور دودون المقرب من روسيا برئاسة جمهورية مولدافيا. توقيع اتفاقيات تسليح مع إيران قبل أيام بعشرة مليارات دولار. تعزيز التعاون العسكري مع أرمينيا عبر قاعدة غومري على الحدود التركية.
والخلاصة أنه بفضل استعادة روسيا لجانب كبير من قوتها السوفييتية السابقة يتجه العالم نحو نظام جديد أكثر توازناً.
* نقلاً عن " الخليج "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة