الليبرالية الجديدة» مصطلح يعبر عن فكر اقتصادي تقوده المدرسة النمسوية في الاقتصاد وعرابها الاقتصادي النمسوي
الليبرالية الجديدة» مصطلح يعبر عن فكر اقتصادي تقوده المدرسة النمسوية في الاقتصاد وعرابها الاقتصادي النمسوي البارز فريديريك هايك الذي ولد ودرس في النمسا وعمل أستاذاً في مدرسة لندن للاقتصاد ثم في شيكاغو ثم في مدرسة فريبورغ في ألمانيا حتى وفاته، وحصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1974. ويُنسب كثير من أفكار الاقتصادي الأميركي الشهير ميلتون فريدمان (حصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1976) إلى هذا التوجه، أي الليبرالية الجديدة، على رغم أن فريدمان يعتبر من جهة أخرى من أبرز منظري فكر مدرسة شيكاغو الاقتصادية.
وعلى رغم أن الليبرالية الجديدة لا تقتصر على كونها فكراً اقتصادياً بحتاً، تشمل أبعاداً أخرى في السياسة والاجتماع والعلاقات الدولية، إلا أن جوهرها هو الفكر الاقتصادي، فهذه المدرسة وعلى عكس المدرسة الكينزية، تطالب بحرية السوق المطلقة المحررة من كل قيود ومنع تدخل الدولة وفتح الأسواق على بعضها بعضاً، وتحرير القطاعات الإنتاجية من سيطرة الحكومات، وتنادي بالتخصيص، وإضعاف نفوذ نقابات العمال.
والليبرالية الجديدة ترى نفسها امتداداً لليبرالية آدم سميث ورفاقه وفكر الاقتصاد القائم على الحرية وعدم تدخل الدولة ومبدأ «دعه يعمل، دعه يمر»، التي تم استبدالها بعد كساد الثلاثينات بالفكر الكينزي القائم على تدخل الحكومة في الاقتصاد، وإن كانت الليبرالية الجديدة تختلف عن الليبرالية الكلاسيكية في كثير من التفاصيل.
تاريخياً، ساعد في بروز فكر الليبرالية الجديدة ما حدث من ركود كبير في الصناعات الأميركية والأوروبية في منتصف السبعينات مع ارتفاع أسعار النفط، وانتخاب مارغريت ثاتشر رئيسة لوزراء بريطانيا في 1979، بالتزامن مع انتخاب رونالد ريغان في 1980 رئيساً لأميركا، وهما من أكبر معتنقي فكر الليبرالية الجديدة.
ومما يُروى عن ثاتشر أنها رفعت كتاب هايك «دستور الحرية» وصاحت أمام الجميع «إن هذا ما نؤمن به»، وبالفعل بدأت ثاتشر عملها بإخضاع الاقتصاد البريطاني لسياسة «العلاج بالصدمة»، فباعت عشرات المؤسسات المملوكة للدولة وخصصت ملايين الشقق السكنية وامتنعت عن تقديم الدعم المالي إلى المشاريع، وشنت حرباً شرسة على عمال المناجم وعملت لمحاربة نقابات العمال، وخفضت معدلات الضريبة على الأغنياء وأصحاب الدخول المرتفعة وزادت ضريبة المبيعات، وللحد من ارتفاع الأسعار، فرضت على البنك المركزي البريطاني رفع معدلات الفائدة إلى17 في المئة (محمد دياب، النيوليبرالية الاقتصادية: البيئة المولدة للأزمة، 27 - 11 - 2013).
وبالتزامن، شهد عهد ريغان تغييرات مهمة في السياسات الاقتصادية، من أبرزها تحرير الصناعات وتخصيص الخدمات، وخفض العبء الضريبي، وتحويل الهيئة الوطنية لعلاقات العمال إلى حليف للشركات الساعية الى كسر شوكة اتحادات العمال. وتوقفت الدولة عن الاقتراض ووُضع حد لارتفاع الأسعار، وتحرر الاقتصاد من كل القيود، ومثل ثاتشر، دعم ريغان ريادة الأعمال ومبدأ الفردية، ودعماً لسياسة ريغان ورغبة في منع التضخم، عمد مجلس الاحتياط الفيديرالي إلى رفع معدلات الفائدة (المرجع: النيوليبرالية: الأيديولوجيا والسياسات والآثار الاجتماعية، ترجمة خبيب زهير).
ولم يقتصر تبني الليبرالية الجديدة على أهم عاصمتين في العالم، بل سرعان ما انتشر تبنّيها في عواصم أخرى مثل نظام بينوشيه في تشيلي، وأوزال في تركيا، وسوهارتو في إندونيسيا، بل ويعتقد كثر أن مهندس نهضة الصين الحديثة دينغ زياوبينغ كان من المعجبين بهذا الفكر وطبق بعض مبادئه (المرجع: بشير نافع، الكارثة التي انتهت إليها الليبرالية الجديدة 9 - 9 - 2016). لا شك في أن الليبرالية الجديدة كانت هي المسيطرة في شكل أو آخر على ساحة الاقتصاد العالمي خلال العقود الأربعة الماضية، أي منذ أواخر سبعينات القرن العشرين حتى بدء الأزمة المالية العالمية في أواخر 2008، لتعود أفكار كينز وسلطة الدولة وتدخلها في الاقتصاد في شكل كبير، عملاً بمبدأ متفق عليه بين الاقتصاديين يقول: «في ظل الأزمات الجميع كينزيون».
لكن الليبرالية الجديدة عادت إلى التداول وتوسّع الحديث عنها في الصحف الغربية خلال فترة الانتخابات الأميركية الأخيرة، خصوصاً بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة، وللمثال كتب جورج مون بيوت في «غارديان» اللندنية الاثنين، مقالاً طويلا يختصره عنوانه وهو «الليبرالية الجديدة: القصة المعمقة لما بين السطور لفوز ترامب». وكتب زيغمونت باومان الأربعاء، مقالاً عنونه: «كيف مهدت الليبرالية الجديدة الطريق لفوز ترامب»، وكتب دانيال بيرد مقالاً قبل أشهر متسائلاً في عنوانه: «هل الليبرالية الجديدة وراء صعود نجم ترامب؟».
ويأتي الربط بين ترامب وبين فكر الليبرالية الجديدة الذي تبناه ريغان وثاتشر سابقاً، نتيجة تصريحاته السابقة لفوزه وتعهده في خطاب النصر أيضاً بخفض الضرائب ودعم الشركات الأميركية وإيجاد فرص عمل للملايين وبناء اقتصاد أميركا وإعداد أفضل خطة لإعادة النمو الاقتصادي، وهي كلها تصريحات وتعهدات لا يمكن تحقيقها من دون تبني الليبرالية الجديدة التي تعلي شأن السوق وتمجد الحرية وتدعم مذهب الفردية والريادة الخاصة، فهل يكون ترامب امتداداً لريغان وثاتشر كما يتوقع كثر؟ سؤال لا يمكن الإجابة عنه حالياً، وترامب فقط هو من سيجيب عنه بما يفعل ويتخذ من قرارات خلال الأيام المقبلة، وإن غداً لناظره قريب.
* نقلاً عن " الحياة "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة