إذا حاول أحد أن يعرف بدقة ما هي الحدود الجغرافية لمنطقة الشرق الأوسط: أين تبدأ وما هي امتداداتها.
إذا حاول أحد أن يعرف بدقة ما هي الحدود الجغرافية لمنطقة الشرق الأوسط: أين تبدأ وما هي امتداداتها. فلن يجد خريطة توفر له ما يريد...”فالشرق الأوسط”؛ تاريخيا؛ ظل مساحة جغرافية متغيرة تتحدد وفقا للمصالح الاستعمارية...
ومن ثم قال أحد الباحثين: ’’ان الشرق الأوسط، تسمية لا تُستمد من طبيعة المنطقة نفسها وخصائصها البشرية أو الثقافية/الحضارية أو شكل نظمها السياسية، بل تسمية تشير إلى علاقة الغير بالمنطقة. فالشرق الذي يقال عنه”متوسط”، يثير ــ دوما ـــ السؤال “متوسط” بالنسبة لمن، وفي علاقته بالمناطق الجغرافية الأخرى؟‘‘.وعليه كانت التسمية ما هي إلا تغطية على “هندسة” تغيير “الخرائط”. أي ان ’’الشرق الأوسط ما هو إلا مفهوم مجرد استراتيجي‘‘. يتحدد بحسب مصالح القوى المهيمنة صاحبة المصالح في لحظة تاريخية معينة.
لذا تارة تجد الشرق الأوسط يتكون من الوطن العربي مضافا إليه تركيا وقبرص وإثيوبيا وأحيانا يمتد لدى البعض إلى افغانستان وإيران. وأحيانا لا يتضمن المغرب العربي، أو تتضمن بعض دوله...إلخ. والأهم، هو إمكانية إعادة النظر في خريطة الدولة الواحدة إذا ما تطلبت الاستراتيجيات الاستعمارية ذلك. خاصة أن النظرة الاستعمارية تنظر إلى المنطقة باعتبارها «فسيفسائية»؛ أي «تتكون من خليط من الشعوب والجماعات التاريخية والقومية...كما تتسم بالتنوع والتعدد الثقافي واللغوي والديني والسلالي».
في هذا المقام، تم تقسيم المنطقة سنة 1916 ـــ أي منذ مائة عام بالتمام ـــ فيما عرف باتفاق “سايكس ــــ بيكو”. وهو الاتفاق الذي قسم “تركة” الدولة العثمانية بين “فرنسا وانجلترا بتوافق روسي”. وكان الاتفاق، وما تلاه من اتفاقات، يحمل من الفخاخ والألغام ما يجعل المنطقة قابلة للتقسيم في أي وقت. لذا عادت بقوة التصورات الجديدة حول إمكانية إحداث تقسيم راهن يلبي مطامع القوى الإقليمية البازغة والتي تمارس دورا “إمبرياليا” تحل به محل القوى التقليدية بالتنسيق معها. وهو ما أشرنا إليه مبكرا ن خلال ما أطلقنا عليه: “تقسيم العالم إلى مناطق حيوية وتسليمها إلى قوى إقليمية تحت رعاية الأقطاب العظمى التاريخية”.وبالفعل انطلقت عملية رسم الخرائط الجديدة منذ حقبة من الزمن ولازالت جارية.وما يجب أن نجيب عليه ــ في ضوء ما سبق ـــ إلى أين مدى سوف تصل بنا هذه العملية؟ وما الفرق بين تقسيم 2016 وتقسيم 1916؟
واقع الحال، كان تقسيم 1916، بغض النظر عن الأحلام الاستعمارية، قد ووجه بما يلي: أولا: “شعوب تتطلع إلى مستقبل أفضل بعد عصور من أنظمة حكم وافدة شديدة البأس”. وثانيا: “وكانت قضية الاستقلال الوطني القضية رقم واحد على جدول الأعمال الوطني. ثالثا: تبلور نخبة وطنية سياسية ورفيعة المستوى الثقافي تحاول ان تلعب دورا في فك الارتباط بينها وبين القلة الحاكمة. كذلك التحرر من التبعية الاستعمارية. رابعا: كما انطلقت في هذا السياق عملية مجتمعية معتبرة من عناصرها: محاولة بناء اقتصاد وطني، وتسريع عملية التحضر، وتحديث المؤسسات، وتعميم التعليم والصحة والثقافة، وأخيرا إنجاز دولة حديثة قائمة على المواطنة بأبعادها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد أثبتت هذه العناصر أنها قادرة على المقاومة وهو ما أثبته التاريخ في أزمنة التقدم.كما كانت رصيدا للدول في أزمنة التراجع.
الإشكالية أن محاولات رسم الخرائط الجديدة بعد مائة سنة، تتم وكثير من عناصر المقاومة ــ سالفة الذكر ـــ قد أصابها الوهن أو طالتها جروح كثيرة. وقد كان من المفترض أن «حراكات» 2011، التي كانت تحمل مطالب: «العدالة الاجتماعية، والحرية، والكرامة الانسانية»؛ الطبعة الجديدة من عناصر المقاومة التاريخية؛ أن تجدد وتقوي وتعالج هذه المنظومة حتى تستمر في مقاومتها التاريخية وتقلل من تداعيات وتبعات التفكيك. ما يبرئ «الحراكات» من مسئولية خطط التقسيم الجديدة. لأن الأكثر منطقية هو أن هذه الخطط هي الأداة في حصار التحرر والتقدم. وانها الثورة المضادة بحق. خاصة أن الخطط الآنية قد استخدمت «عناصر» غير نظامية كي تؤسس دولا جديدة وتقتطع حدودا من هنا وهناك. عناصر حكمها تدمير القائم كليا. ووضع الدول تحت تهديد دائم مثلما الحال في العراق وسوريا من قبل «داعش». كذلك سينا الحبيبة المصرية من قبل «أخوات داعش». يتم هذا في ظل تواطؤ بعض الأنظمة وموافقة ضمنية لدول من داخل الإقليم وخارجه لحمايتها من الفوضى. والأهم فرض ضغط اقتصادي.
وعليه، لا بد لنا من طرح أسئلة جديدة حول: شبكات المصالح التي من شأنها تسهيل خطط التقسيم. ومن هم الذين عملوا على القطيعة مع التقدم الانتاجي، والتحضر، والثقافة والحضارة، والاستقلال. والتنازل عن الارتباط بالدوائر الحضارية لحساب مفهوم سياسي محض.
إن التمسك بمنظومة المقاومة بعناصرها هو السبيل لإفشال كل خطط التقسيم والإضعاف والتجزئة والإلحاق...نتابع...
* نقلاً عن " الأهــرام "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة