ما بعد الحرب.. دول في متاهات مثلث برمودا للديون

يبدو أن التبعات الاقتصادية التي لاحقت الدول النامية خلال جائحة كورونا، وارتفاعات الفقر في بعض الاقتصادات، ستبقى حاضرة خلال 2022.
هذا العام بدأ بارتفاع متسارع على نسب التضخم في الأسواق العالمية بسبب زيادات أسعار الوقود والسلع الرئيسة الأخرى كالحديد والألمنيوم وغيرها.
إلا أن بدء الحرب الروسية الأوكرانية فتحت باب زيادات حادة في أسعار السلع الأساسية، بدءا من الوقود بأنواعه، مرورا بالحديد والألمنيوم والنيكل والبلاديوم، وليس انتهاء بأسعار المواد الغذائية والحبوب بصدارة القمح.
أمام هذا الغلاء، فإن أزمة من ثلاثة أضلاع تواجه الاقتصادات النامية حول العالم خاصة دول أفريقيا جنوب الصحراء، قد تؤدي إلى مزيد من الأزمات وتفاقم نسب الفقر.
وهذه الأزمة الثلاثية تتألف من، التضخم الصاعد، وثانيا وتراجع المنح والمساعدات الخارجية، والديون المتراكمة على هذه الاقتصادات الفقيرة.
الديون المتراكمة
يُظهر تقرير إحصاءات الديون الدولية لعام 2020 الصادرة عن البنك الدولي، بنهاية عام 2019، أن إجمالي الديون الخارجية للبلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل قفزت بنسبة 5.3% إلى 7.8 تريليون دولار.
وبينما لم تصدر أية تحديثات على الرقم، بسبب جائحة كورونا، التي قفزت حتما بالأرقام، فإنها تطرح تساؤلات حول قدرة هذه الدول على الوفاء بالتزاماتها وسداد الديون المستحقة عليها في وقت صعب، كالوقت الحالي.
وخلال العام الجاري، ووفق تقرير حديث للبنك الدولي، فإن إجمالي الديون واجبة السداد على الدول الفقيرة خلال 2022، تبلغ 35 مليار دولار أمريكي.
وقد تضطر مزيد من الدول إلى اللجوء للاستدانة خلال الشهور القادمة من العام الجاري، لأسباب مرتبطة بضلعي الأزمة الحالية، ممثلان بالتضخم وتراجع أموال المانحين.
التضخم
تسجل أسعار المستهلك حول العالم زيادات متسارعة بسبب صعود أسعار الوقود والمواد الخام بكافة أنواعها، إلى جانب ارتفاع أسعار السلع الغذائية.
ولأن السلع الغذائية أولوية لأي اقتصاد نامٍ، فإن الحديث عن أسعار الطاقة أو المواد الخام خاصة المعادن بأنواعها قد لا يشكل أهمية للاقتصادات الفقيرة حول العالم.
خلال وقت سابق من الشهر الجاري، قالت منطمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، إن ارتفاعا طرأ على المعيار القياسي لأسعار الأغذية العالمية في فبراير/شباط ليصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، حيث تصدّرت الزيوت النباتية ومنتجات الألبان هذا الارتفاع.
وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية 140.7 نقاط في فبراير/شباط، أي بزيادة نسبتها 3.9% عن مستواه في يناير/كانون الثاني، وأعلى بنسبة 20.71% من مستواه في العام الماضي.
وقاد مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الزيوت النباتية هذه الزيادة، إذ ارتفع بنسبة 8.5% عن الشهر الماضي ليصل إلى مستوى قياسي جديد، مدفوعا في الغالب بزيادة أسعار زيوت النخيل وفول الصويا ودوّار الشمس.
وكان متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار منتجات الألبان أعلى بنسبة 6.4% في فبراير/شباط مقارنة بيناير/كانون الثاني، مدعوما بانخفاض أكثر من المتوقع في إمدادات الحليب في أوروبا الغربية وأسبانيا.
وارتفع مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الحبوب بنسبة 3.0% عن الشهر الماضي، مدفوعا بارتفاع عروض أسعار الحبوب الخشنة، مع ارتفاع الأسعار الدولية للذرة بنسبة 5.1%.
وارتفع مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار اللحوم بنسبة 1.1% عن شهر يناير/كانون الثاني، إذ بلغت الأسعار الدولية للحوم الأبقار مستوى قياسيا جديدا وسط طلب عالمي قوي على الواردات وانكماش إمدادات الماشية الجاهزة للذبح في البرازيل.
وتراجع مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار السكر بنسبة 1.9% وسط توقعات الإنتاج المواتية في البلدان المصدرة الرئيسية مثل الهند وتايلند، فضلًا عن تحسّن ظروف الزراعة في البرازيل.
المنح الخارجية
وتعتبر دول أوروبا خاصة دول منطقة اليورو إلى جانب الولايات المتحدة واليابان، من كبار الدول المانحة حول العالم، وهي ذات الدول التي تواجه اليوم أزمات تضخم وإعادة توجيه نفقات لمجتمعاتها المحلية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.
ويتوقع تراجع المنح والمساعدات الخارجية المقدمة من هذه الدول إلى البلدان الفقيرة، ما يعني أن الأخيرة ستواجه أزمة أخرى إلى جانب التضخم والديون، تتمثل في تراجع المداخيل المالية.