لاجئو إثيوبيا.. ندوب النزوح يداويها السودانيون
وجوههم تشي بأرواح متعبة، وشفاههم الجافة غير موعودة بأكثر من شربة ماء تروي ظمأهم.
هكذا كانت رحلة نازحين إثيوبيين فروا من رحى القتال في إقليم تجراي وحطوا الرحال في السودان، ليجدوا نعم السند والمعين في المحن.
في منطقة حمداييت السودانية، لم يمنع الفقر الأهالي من استقبال نازحين من إقليم مشتعل بالحرب، في خاصرة إثيوبيا الشمالية.
الفقر ينتصر للإنسانية
سيجامارا التي عبرت الحدود السودانية مع زوجها، لم تكن تعرف ما الذي ينتظرها بعد رحلة دامت أيام سلكت فيها طرقا وعرة، لكنها اليوم تعبر عن ارتياحها لحسن الضيافة والاستقبال الحسن لدى أهالي حمداييت الفقيرة.
فكل ما كان يسعى له الزوجان هو مكان ينامان فيه بعيدا عن مخيمات اللاجئين المزدحمة بآلاف الفارين من إقليم تجراي.
من داخل كوخ مبني من القش خال من الأثاث سوى سرير واحد، تقول سيجامارا: "كنا نفكر في استئجار مكان، لكن الأهالي هنا استضافونا بدون أي مقابل مادي".
لترد عليها مضيفتها مريم أبوبكر، التي تعيش مع أسرتها في منزل مبني من الطين "يمكنكم البقاء هنا إلى الوقت الذي تريدون".
لكن سيجامارا وزوجها، سجلا اسميهما في مركز استقبال اللاجئين من أجل الحصول على وجبات طعام يومية، إلى أن يعود الاستقرار والهدوء للإقليم.
لاجئون في تزايد
وعلى الرغم من ضيق الحال، استقبل العديد من سكان منطقة حمداييت، نازحين إثيوبيين، وقدموا لهم المأوى والمأكل والمشرب.
يقول مدير مركز استقبال حمداييت، يعقوب محمد، لفرانس برس، إنهم استقبلوا أكثر من 24 ألف لاجئ منذ اندلاع القتال في تجراي.
ووفق مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بلغ عدد الإثيوبيين الذين وصلوا السودان 36 ألفا، وسط ترجيحات أن يرتفع العدد لمئتي ألف خلال الأشهر الستة المقبلة.
تاريخ في كرم الضيافة
ويُعرف عن إقليم شرق السودان، تاريخه الطويل في استضافة اللاجئين الإثيوبيين والإريتريين والذي يعود إلى حرب عام 1967، ثم الجفاف والمجاعة التي ضربت إثيوبيا في ثمانينات القرن الماضي.
عيسى حسن، المزارع السوداني الذي يعيش في حمداييت يقول "أصبح المكان مزدحما، لكن لا بأس هم ضيوفنا".
إلا أنه بات يشكو من ارتفاع الأسعار بالمنطقة مع تدفق اللاجئين، لاسيما الخضروات والفاكهة وحتى المياه، مستشهدا بسعر كيلو الموز الذي كان يباع بسبعين جنيها سودانيا (حوالى أربع سنتات)، وأصبح الآن بـ150 جنيها.
في المقابل، تسعى السلطات السودانية وجمعيات الإغاثة إلى تجهيز المخيمات وتقديم الغذاء والخدمات الطبية، لمواجهة التدفق الكبير للفارين من الحرب في إقليم تجراي.
لكن السودان، في المقابل، مثقل بأعباء مشكلاته الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر خصوصا في ولايتي القضارف وكسلا الواقعتين في شرق البلاد واللتين تستضيفان العدد الأكبر من اللاجئين.
تضامن
قرب معبر اللقدي الحدودي بين السودان وإثيوبيا، يشهد الكرم السوداني وحسن الاستقبال، في مركز استقبال "القرية 8"، حيث قدموا الاحتياجات الأساسية للنازحين.
آدم يوسف، أحد اللاجئين يقول إن الكثير من أهالي القرية قدموا لهم الطعام من مزارعهم، والبعض أحضر الحصائر للنوم، وسمحوا لهم باستخدام حماماتهم "كانوا كرماء جدا".
مشهد آخر من التضامن والتلاحم يترجمه السودانيون في مخيم "أم راكوبه" الواقع على بعد 80 كيلومترا من الحدود الإثيوبية، حيث يقومون بجمع التبرعات من الطعام والملابس لتقديمها للاجئين.
ويصف أحمد عبد الله اسماعيل الذي يعيش في قرية دوكه القريبة من المخيم، حال اللاجئين"عند وصولهم كان الخوف باديا على وجوههم والكثير منهم حفاة".