توني بلير يطل من غزة..مسار رجل لم يغادر أزمات الشرق الأوسط

بعد ثلاثة عقود من الانخراط المتكرر في أزمات الشرق الأوسط، يعود رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إلى قلب ملف غزة.
ونصّت خطة الرئيس الأمريكي لإنهاء الحرب في قطاع غزة والتي نشرها البيت الأبيض، أمس الإثنين، على أن يترأس ترامب لجنة تشرف على المرحلة الانتقالية في غزة من دون أن يتم إجبار أحد من السكان على مغادرة القطاع.
ووفق الخطة، من المقرر أن يكون رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، عضوا في "مجلس إدارة السلام" الذي سيشرف على المرحلة الانتقالية في غزة وسيرأسه الرئيس دونالد ترامب. على أن تتولى شؤون القطاع الفلسطيني لجنة فلسطينية "غير سياسية ومن التكنوقراط" مع استبعاد حماس منها.
ومنذ توليه رئاسة الحكومة البريطانية عام 1997، ارتبط اسم توني بلير بمحاولات حل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. واليوم، وبعد أكثر من ثلاثين عاما وخمسة رؤساء أمريكيين، يطل بلير مجددا كلاعب محوري في صياغة خطة لإعادة إعمار غزة وإدارتها في حال تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
هل سيكون بلير أول قائد للسلطة الانتقالية في غزة؟
ووفقا لما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن مسؤولين في إسرائيل والولايات المتحدة مطلعين على المناقشات، فإن بلير، البالغ من العمر 72 عاما، يمثل أساسا مهما في "خطة السلام المكونة من 20 بندا" التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتتضمن الخطة تشكيل "هيئة انتقالية دولية لإدارة غزة" تضم خبراء دوليين، ومسؤولين من الأمم المتحدة، إضافة إلى ممثلين فلسطينيين وعرب، تشرف على مجموعة تنفيذية من الإداريين الفلسطينيين لإدارة الشؤون اليومية للقطاع.
وبحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في الصحيفة، قد يتم اختيار بلير نفسه ليصبح أول قائد للسلطة الانتقالية الدولية، حيث سيكون مسؤولا عن اتخاذ قرارات استراتيجية ودبلوماسية واسعة النطاق، والتنسيق مع الدول التي من المتوقع أن تمول جزءا كبيرا من جهود إعادة الإعمار.
ويُمثل ظهور بلير مجددا في قلب مناورات الشرق الأوسط فصلا جديدا بارزا في علاقته بالمنطقة. فقد تعامل مع الصراع بصفته رئيس وزراء بريطانيا، ومبعوثا للأمم المتحدة، ومستشارا خاصا، ووسيطا في الظل، رافضا التخلي عن صراع مستعص أنهك عددا لا يُحصى من رؤساء الدول والدبلوماسيين.
على الجانب الإسرائيلي، ينظر بعض المسؤولين مثل رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، إلى بلير كوسيط قادر على تمرير تنازلات يصعب على نتنياهو قبولها مباشرة، خصوصا إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة غزة. غير أن السلطة نفسها تؤكد رفضها لأي ترتيبات خارجية، مشددة على أن "الجهة الوحيدة المخولة بإدارة غزة هي حكومة فلسطينية".
قال باراك، الذي انتُخب مبكرا في بداية ولاية بلير الأولى، في مقابلة تلفزيونية هذا الأسبوع: "لطالما كرَّس جزءا من قلبه لمشروع تهدئة هذا الصراع الذي لم يُنجز بعد". وأضاف: "يبدو أنه لم يرحل أبدا".
مع ذلك، فإن سمعة بلير بين الفلسطينيين أكثر تباينا. فقد حافظ على موقف بريطانيا التقليدي المتمثل في الدعم الثابت لإسرائيل، لكنه دعا إلى تسوية دائمة للصراع عن طريق التفاوض، من شأنها أن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل آمنة.
لكن النقاد الفلسطينيين يقولون إنه مال باستمرار نحو إسرائيل، وأن سنواته الطويلة من الاهتمام بهذه القضية لم تسهم كثيرا في تعزيز حل الدولتين الذي دافع عنه. وقد رفض القيام بما فعله رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الأسبوع الماضي بالاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية.
مسيرة حافلة وثقة كبيرة
لم يكن ظهور بلير مجددا في خضم مفاوضات غزة مفاجئا لمن تابعوا مسيرته المهنية. فبدءا من دوره في اتفاقيات الجمعة العظيمة عام ١٩٩٨ التي أنهت العنف الطائفي في إيرلندا الشمالية في بداية رئاسته للوزراء، احتضن بلير أشد الصراعات تعقيدا، بما في ذلك حشده لحلفاء الناتو للتدخل العسكري في كوسوفو بعد عام.
يقول الصحفي البريطاني وكاتب سيرة بلير، جون رينتول: "هناك جانب قوي في شخصيته، هذه الثقة الهائلة بقدرته على حل أصعب المشاكل في العالم".
وأضاف: "إنه مستعد للتحدث مع أي شخص. ومن نقاط قوته أنه غير عاطفي إلى حد ما تجاه العمل مع أشخاص يكرههم أصدقاؤه الليبراليون، مثل ترامب ونتنياهو".
وفي اليوم الذي غادر فيه بلير منصبه عام 2007، انضم إلى اللجنة الرباعية الدولية، وهي هيئة تنسيقية ترعاها الأمم المتحدة وتضم الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
كما أطلق شركته الاستشارية وأصبح مستشارا أول لبنك جي بي مورغان تشيس آنذاك.
ومنذ ذلك الحين، ظل معهده نشطا في جميع أنحاء المنطقة، يعمل من أجل السلام، كما يقول مؤيدوه.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز