الشراكة الإماراتية الصينية.. مستقبل اقتصادي واعد
تمثل الشراكة بين الإمارات العربية المتحدة والصين نقطة تحول محورية أسهمت في فتح آفاق واسعة للتعاون المشترك في العديد من القطاعات.
تعد العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والصين، تجربة ناجحة في كيفية بناء علاقات استراتيجية شاملة بين الدول، فقد نجحت القيادة الإماراتية في خلال رؤيتها وقدرتها على تطوير خريطة طريق في بناء علاقة استراتيجية طويلة الأجل بين البلدين، قائمة على التعاون المثمر في المجالات كافة، بما يشمل المجال الاقتصادي، والسياسي، والتجاري، والثقافي، والتكنولوجي.
وأسهمت الشراكة التاريخية بين البلدين - والتي امتدت لأكثر من 35 عاماً منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما - في تدعيم تلك الشراكة، كما أن هذه الشراكة من شأنها أن تخدم الرؤية الاستراتيجية المستقبلية لدولة الإمارات العربية المتحدة 2021، وأن تدعم أهداف البلدين من خلال الإسراع بوتيرة التنمية، وخلق فرص تنموية جديدة.
وتتصدر التنمية الاقتصادية أولويات الإمارات من خلال التنوع الاقتصادي وخلق بيئة تنافسية تسهم في خلق عديد من الفرص الاستثمارية والوظائف الجديدة وبناء جسور اقتصادية قوية مع كبرى الاقتصاديات العالمية، تأتي في أولويتها إقامة شراكة اقتصادية مع جمهورية الصين الشعبية.
وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر حاضنة للأعمال الصينية في العالم العربي، نظراً لقدرتها على القيام بدور محوري في العديد من المشروعات الصينية، خاصة "مبادرة الحزام والطريق الصينية".
وتفتح الشراكة الاقتصادية بين الإمارات والصين، باعتبار الاقتصاد الصيني الأضخم على مستوى العالم، آفاقاً جديدة وواسعة للشركات الإماراتية بالتعاون مع نظيرتها الصينية، وهو ما يمكن الإمارات أن تصبح نقطة انطلاق الشركات الصينية إلى أسواق المنطقة.
ويوفر التقدم التكنولوجي والعلمي الذي حققه الصينيون فرصة لزيادة تبادل المعرفة في بناء القدرات الفنية والبشرية، خاصة فيما يتعلق بالصناعات التكنولوجية.
وبلغ عدد العلامات التجارية الصينية المسجلة في الإمارات 6591 علامة، إلى جانب أكثر من 327 وكالة تجارية؛ حيث تهتم الشركات الصينية بتوسيع وجودها واستثماراتها في الأسواق الإماراتية، بفضل بيئة الأعمال التنافسية التي تتمتع بها دولة الإمارات العربية المتحدة.
الاقتصاد الإماراتى.. الأكثر تنافسية
بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة نحو 2.2% في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، كما شهد الاقتصاد غير النفطي نمواً بنسبة 1.6%.
ومن المتوقع أن يصل معدل نمو الناتج المحلي إلى 3.2% بحلول عام 2021، بفضل الخطط الاقتصادية الطموحة وتحسن معدلات النمو المتوقعة لشركائها التجاريين.
واحتلت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الـ27 على مستوى العالم في عام 2018 من حيث جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، لترتفع بنحو 3 مراكز مقارنة بعام 2017، وفقاً لتقرير الاستثمار العالمي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) لعام 2019.
واستقطبت الإمارات 10.4 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2018، لتستحوذ على 36% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلدان العربية، وبذلك تحتل المرتبة الأولى في العالم العربي.
واحتلت الإمارات المرتبة الثانية في منطقة غرب آسيا، بما مثل نحو 33.4% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى هذه المنطقة، بينما بلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من الإمارات إلى العالم 15 مليار دولار في عام 2018، بزيادة قدرها 7.2%، لتحتل المرتبة الـ19 عالمياً.
ووفقاً لتقرير التنافسية العالمية لعام 2019 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس»، احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة المركز الأول عربياً، والمركز الـ27 عالمياً في التنافسية العالمية. ويركز تقرير التنافسية العالمية الجديد على الثورة الصناعية الرابعة، والابتكار، ومفاهيم الاقتصاد المعرفي الجديد.
ودخلت حكومة الإمارات العربية المتحدة في شراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي، لإطلاق "مركز الثورة الصناعية الرابعة" في الإمارات، وهو الأول من نوعه في المنطقة والخامس على مستوى العالم.
وتهدف المبادرة إلى تطوير آليات وتطبيقات واستخدامات للثورة الصناعية الرابعة في الإمارات العربية المتحدة.
الشراكة الاستراتيجية.. فرص واعدة
تمثل الشراكة بين البلدين نقطة تحول محورية أسهمت في فتح آفاق واسعة للتعاون المشترك في العديد من القطاعات، والتي تشمل الطاقة والصناعة والتجارة والزارعة والسياحة وغيرها من القطاعات الأخرى. كما شمل التعاون مبادرة طريق الحرير، ومبادرة طريق الحرير البحري، والتعاون بين شركات النفط المملوكة للإمارات، والتعاون المتبادل في القضايا الجمركية، بجانب خلق منصة للخدمات المالية والابتكار، والتعاون في مجال القدرات الصناعية في إطار "مبادرة الحزام والطريق".
ووفقاً لتقرير (الأونكتاد) لعام 2019 احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الثانية على مستوى العالم، فيما يتعلق بتوقيع اتفاقيات الاستثمار الثنائية من خلال ست اتفاقيات استثمار ثنائية من أصل 40 اتفاقية استثمار دولية موقعة في عام 2018. تأتي على أولويتها الاتفاقيات الإماراتية - الصينية.
وقد برزت الإمارات العربية المتحدة كلاعب رئيسي في "مبادرة الحزام والطريق الصينية Xi’s Belt and Road (BRI) " التي اقترحها الرئيس الصيني "شي جين بينغ"؛ حيث يولد هذا المشروع عديداً من الفرص الاستثمارية، كونه مركز نقل إقليمياً مهماً ومركزاً مالياً وتجارياً، كما أنه يجعل لدولة الإمارات العربية المتحدة دوراً محورياً لتوسيع سبل التعاون بين الصين ودول الخليج والشرق الأوسط.
ومن المتوقع أن تحقق مبادرة الحزام والطريق الصينية طفرة اقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ حيث إنها قد حققت الرخاء الاقتصادي في جميع أنحاء آسيا.
وتم الإعلان عن مشروعات مشتركة بين البلدين تضمنت "سوق التجار" و"سلة الخضراوات" بقيمة إجمالية تصل إلى 3.4 مليار دولار، و"سوق التجار" سيتم بناؤه على طول طريق الشيخ محمد بن زايد مقابل موقع إكسبو دبي.
ومن المستهدف أن تستثمر الشركة الصينية 2.4 مليار دولار في المشروع، والذي يتضمن مستودعات لوجستية كبيرة ومحلات بيع بالجملة، مما سيعزز دور المنطقة الحرة لجبل علي، في دعم الحركة التجارية الإقليمية والعالمية.
أما إنشاء "سلة خضراوات" باستثمارات تصل إلى مليار دولار بتمويل من الصندوق الاستثماري الصيني العربي الذي سيقوم باستيراد ومعالجة وتعبئة المنتجات الزراعية والمنتجات البحرية والحيوانية، وتصديرها إلى جميع أنحاء العالم.
وتم توقيع صفقات استثمارية كبرى بين البلدين، مما انعكس على ازدهار الاستثمارات الإماراتية - الصينية المشتركة في مختلف القطاعات.
بلغت القيمة الإجمالية للاستثمارات الأجنبية المباشرة بين الصين والإمارات 11.9 مليار دولار أمريكي في عام 2017، لتشمل مجالات تجارة الجملة والتجزئة والأنشطة المالية وأنشطة التأمين والأنشطة العقارية والبناء والتشييد، وفقاً لمجلس الأعمال الصيني في الإمارات العربية المتحدة.
على الوجه الآخر، تمتلك الإمارات العربية المتحدة أكبر عدد من المشاريع الاستثمارية في الصين، لتشمل مجال تشغيل الموانئ والتصنيع والبتروكيماويات والغاز والتكنولوجيا والعقارات وتجارة الجملة، إلى جانب السياحة والخدمات المالية وتنمية المناطق الاقتصادية.
فى حين تشمل القطاعات التي يتطلع البلدان إلى التعاون المستقبلي فيها، كلاً من الابتكار والتكنولوجيا والبحث العلمي والعلوم المتقدمة والذكاء الاصطناعي والمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم.
وبالنظر إلى دبي كونها مركزاً لوجيستياً استراتيجياً، تتوقع بعض الشركات التي تتخذ من دبي مقراً لها على أن يكون معرض إكسبو 2020 المقرر عقده في دبي فرصة لتعزيز التجارة بين الصين والإمارات العربية المتحدة. وتوجد أكثر من 4000 شركة صينية مقرها الرئيسي في دولة الإمارات العربية المتحدة، تسعى الإمارات العربية لتوفير منصة للشركات الصينية للوصول إلى الأسواق الناشئة المحيطة بها، إلى جانب الاستفادة من بيئة الاستثمار والبنية التحتية القوية التي تقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة. على الجانب الآخر هناك اتجاه تصاعدي بالنسبة لعدد الشركات الإماراتية التي تسعى للتوسع في الصين.
فوفقاً لاستطلاع HSBC Navigator: Made for China، فإن نحو نصف الشركات الإماراتية التي تتعامل مع الصين، تخطط بالفعل لزيادة المبيعات في الصين، خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة.
وبالنسبة لقطاع السياحة، شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة زيادة بنسبة 245% في عدد السياح الصينيين، ليتجاوز عدد السياح الصينيين الوافدين إلى دولة الإمارات العربية إلى نحو مليون شخص، ومن المتوقع تحقيق نمو سنوي مضاعف حتى عام 2022. ويعزى ذلك إلى حصول كلا من الإماراتيين والصينيين على تأشيرة عند وصولهم إلى بلدان بعضهم البعض، وهي مبادرة أدت إلى دعم القطاع السياحي والثقافي.
وعلى الصعيد البيئي، تعد الإمارات العربية المتحدة الشريك الأول في المنطقة في مبادرات الصين في مجال التنمية المستدامة؛ حيث تسعى الدولتان لحماية المناخ من تهديد الاحتباس الحراري، باستخدام بدائل الطاقة النظيفة، وعليه قامت الإمارات العربية مؤخراً بالاحتفال بتصدير آخر برميل من النفط.
أما من الناحية الثقافية، تحولت الإمارات العربية المتحدة إلى مركز للتبادل الثقافي الصيني العربي؛ حيث تم إنشاء العديد من المراكز الصينية في الإمارات العربية المتحدة، وبالتالي فهي ليست فقط جسراً اقتصادياً للصين، ولكن كجسر ثقافي أيضاً.
نمو التجارة البينية
تأتي الصين في المركز الأول لقائمة الشركاء التجاريين لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ حيث تجاوزت التجارة غير النفطية بين البلدين نحو 213.4 مليار درهم إماراتي، أي ما يقرب من 58 مليار دولار خلال عام 2018، وفقاً لوزارة الاقتصاد الإماراتية. وتحرص الإمارات والصين على توسيع التعاون الاقتصادي مع زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، ليصل إلى 257.6 مليار درهم، أي نحو 70 مليار دولار بحلول عام 2020، وإلى 106 مليارات دولار بحلول عام 2022، مما يعكس سرعة النمو التجاري بين البلدين. وقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين الإمارات العربية والصين بأكثر من 15.3% خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2019، ليبلغ نحو 15.1 مليار دولار أمريكي.
وبالنظر إلى الإمارات العربية، تصنف بكونها ثاني أكبر شريك تجاري للصين في العالم، كما أنها أكبر شريك للصين في المنطقة العربية؛ حيث شكلت الإمارات 30% من الصادرات الصينية إلى البلدان العربية، كما تستحوذ على 23% من حجم التجارة العربية مع الصين. وجدير بالذكر أن حوالي 60% من التجارة الصينية يعاد تصديرها عبر موانئ الإمارات إلى أكثر من 400 مدينة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يجعلها من أهم منافذ التجارة الصينية التي تصل إلى ثلثي سكان العالم. وذلك علاوة على أن الإمارات هي من أكبر مصدري النفط للصين.
وعليه تسعى كل من الدولتين على زيادة التبادل التجاري والتكامل، من خلال تعظيم الاستفادة من البنية التحتية المتميزة والموقع الاستراتيجي لدولة الإمارات العربية المتحدة، كبوابة استثمارية وتجارية رئيسية لأسواق الشرق الأوسط. كما يحرص الجانبان على زيادة تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والتجارة الإلكترونية، من خلال زيادة تسهيل التجارة والاستثمار ووضع إطار للتعاون المشترك.