كل التوقعات التي راهنت على فوز المرشحة الديمقراطية في الانتخابات الأمريكية هيلاري كلينتون أسقطها المرشح الجمهوري دونالد ترامب بفوزه الساحق في السباق إلى البيت الأبيض
كل التوقعات التي راهنت على فوز المرشحة الديمقراطية في الانتخابات الأمريكية هيلاري كلينتون أسقطها المرشح الجمهوري دونالد ترامب بفوزه الساحق في السباق إلى البيت الأبيض ، ليصبح هو الرئيس الخامس والأربعين، وليفتح بذلك صفحة جديدة في التاريخ الأمريكي ويحدث هزة في العالم ستضرب ارتداداتها في أكثر من مكان. ترامب، الذي حاولت جهات أمريكية ودولية إحباط رحلته الانتخابية دون تحقيق هدفها بسبب مواقفه المتطرفة وتصريحاته المستفزة وخطابه الشعبوي القديم، أصبح حالياً رئيس أكبر قوة عظمى لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد.
لهذا السبب اعتبرت أوساط إعلامية وسياسية كثيرة فوز ترامب «صدمة» و«مفاجأة»، بينما حظيت منافسته كلينتون بكل الدعم المالي والسياسي والإعلامي من الولايات المتحدة وخارجها، ولكنها لم تفلح وفجعت أغلب المراهنين عليها، خصوصاً مؤسسات الحكم الأمريكية وإمبراطوريات صناعية وأخرى إعلامية وزعماء دول أعلنوا عداءهم الصريح للمرشح الجمهوري ، وأعربوا عن خشيتهم من مجيئه في ظرف دولي لا يحتمل أي خطاب تصعيدي. ولم يكن حب كلينتون هو الذي حرّك هذه المواقف جميعها، وإنما الخوف من أن يتسع هذا الخطاب الشعبوي في دول أخرى بعدما أصبح يحظى بشعبية تتفاوت من بلد إلى آخر، وما الصعود الكبير لأحزاب اليمين واليمين المتطرف في أوروبا إلا دعوة للحذر على المبادئ الإنسانية التي أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى.
بعد معركة حامية تخللتها بذاءات وفضائح، جاء ترامب إلى البيت الأبيض وسيطر الحزب الجمهوري بفيلته وصقوره على مجلس النواب والشيوخ ، بما يمكّن الرئيس المنتخب بكل الوسائل التشريعية لفرض رؤيته وتنفيذ بعض من تعهداته سواء على المستوى الداخلي أو الدولي. وتقول المؤشرات الأولية إنه سيندفع بسياسات مزعجة لكثير من الأطراف، والدرب الذي سيسلكه لن يكون سهلاً على المختلفين معه، مثلما هي دروب الفيلة في الأدغال. وإذا كانت نواميس العلاقات الدبلوماسية قد فرضت على أغلب دول العالم أن تبارك للرئيس الجديد فوزه وللشعب الأمريكي انتخاباته، تبدي أكثرية الزعماء قلقاً وتوجساً من القادم الجديد، ومثلاً لم يترك الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تقديم التهاني دون الإعراب عن القلق، بل إن الاتحاد الأوروبي، وعلى لسان أكثر من مسؤول، توقّع اضطراباً في العلاقات وربما فتوراً لم تعرفه الروابط بين الطرفين أبداً. ومن الناحية النفسية كان الأوروبيون يتوقعون هذا الفوز أكثر من غيرهم، منذ أن صوّت البريطانيون في يونيو/ حزيران الماضي لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة كانت صدمة للقارة لم تفقها في القوة إلا فوز ترامب هذا الشهر.
الانتخابات الأمريكية حادثة أخرى تؤكد أن العالم يتغير ويتجه إلى خريطة جديدة من العلاقات والمصالح، وهو واقع سيثور على المسلّمات والثوابت التقليدية، قد يكون تمهيداً لمرحلة أخرى تؤسس لعودة الصراعات والمحاور والأقطاب، وهي وضعية قابلة للانتشار في كل مكان ، بما فيها المنطقة العربية بما يستوجب من شعوبها ودولها وعياً مضاعفاً بخطورة هذه المرحلة وما يستدعيه ذلك من تنقية للأجواء وتجاوز للخلافات مهما عظمت. فلم يعد بالوسع تحمّل مزاج الإدارات الأمريكية المتعاقبة أو الرهان على بعضها أو كلها. فهذه الدول لا تعترف إلا بمصالحها، وترامب الجديد رفع شعاره المحبب إليه «أمريكا أولاً»، وهو شعار يغني عن أي تأويل ويفرض على الآخرين مواقف استباقية ،يجب ألا تقتصر على الدفاع فقط.
* نقلاً عن " الخليج "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة