جولة ترامب بأسيا.. أجواء احتفالية بلا استراتيجية واضحة
دونالد ترامب أنهى جولة ماراثونية في أسيا جرت دون أية عثرات، وسط أجواء احتفالية لكن لم تبدد الغموض حول استراتيجيته حيال هذه المنطقة.
أنهى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء، جولة ماراثونية في أسيا جرت دون أية عثرات وسط أجواء احتفالية، لكن لم تبدد الغموض حول استراتيجيته حيال هذه المنطقة من العالم.
واحتفى قادة منطقة أسيا بترامب المعروف عنه بالتجاوب مع الإطراء والمراسم الاحتفالية، وقد أعلن مسرورا أنه حظي باستقبال "لم يشهده أحد من قبل"، معتبرا أن جولته كانت "ناجحة جدا".
وأعلن للصحفيين قبيل مغادرته: "كسبت الكثير من الأصدقاء على أعلى مستوى"، مضيفا "عملنا جميعنا بجهد وأعتقد أن ثمار عملنا ستفوق التصور".
ومن ضمن برنامج "زيارات الدولة" التي قام بها، لعب ترامب الجولف وحضر حفل عشاء ضخما في طوكيو.
وأيضاً في بكين حضر حفل أوبرا وزار المدينة المحرمة، أما في سيول فشرب المسؤولون نخب رجل "أعاد منذ الآن لأمريكا عظمتها".
كما حرص الرئيس الأمريكي الحديث العهد في الدبلوماسية، والذي لا يحب الرحلات الطويلة، على تفادي الهفوات وبدا مرتاحا.
لكن بمعزل عن الصور المدروسة، تبقى الأسئلة مطروحة بشأن النتيجة الملموسة لهذه الجولة الطويلة.
وأكد الرئيس الأمريكي في جميع محطات جولته من طوكيو إلى مانيلا مرورا بسيول وبكين وهانوي، على أولويتين، هما تشديد الضغط حيال الخطر النووي القادم من كوريا الشمالية، والمطالبة بتسهيل دخول الشركات الأمريكية إلى الأسواق الأسيوية.
لم يتغير شيء
غير أن حصيلة هذه الأيام الـ12 التي ستظهر مع مرور الوقت قد تكون ضئيلة.
وقال جو ميونج هيون، من معهد آسان للدراسات السياسية في سيول، لوكالة فرانس برس، إنه "إذا قارنتم بين ما قبل جولة ترامب الأسيوية وما بعدها، لم يتغير شيء فعلا" بشأن ملف بيونج يانج.
وأضاف أن الصين شريك كوريا الشمالية الأول، "لم تقطع أي وعود جديدة وبقيت على موقفها".
غير أن بعض الخبراء يشيرون إلى أن المبادلات بين رئيسي القوتين الأوليين في العالم قد تثمر على المدى المتوسط.
وأوضح تشي نج خياوهي، من جامعة رينمين في بكين، أن الرئيس الصيني "شي جين بينج خص دونالد ترامب باستقبال جيد جدا، والعلاقة بين البلدين مستقرة نسبيا.
وفي هذا السياق، فهو لن يرفض طلباته جملة وتفصيلا".
أما بالنسبة إلى المبادلات التجارية، فقد ألقى ترامب اللوم بشأن العجز في الميزان التجاري بين البلدين على أسلافه الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء واتهمهم بعدم إبداء حزم في هذا الملف على مدى عقود. فهل نجح في تحريك هذا الملف؟
أعلنت بكين أنها تنوي توسيع إمكانية وصول الشركات الأجنبية إلى قطاعها المالي، غير أن الحواجز التي تعيق ذلك تبقى كثيرة.
وفي مواجهة عجزه عن الحصول على تنازلات كبرى، ركز ترامب على مجموعة من العقود التي توصل إليها، تقارب قيمتها الإجمالية 300 مليار دولار.
غير أن العديد من هذه الوثائق الموقعة وسط مراسم احتفالية وتحت أضواء الإعلام، هي مجرد رسائل نوايا، ولن تصحح مستقبلا العجز الهائل في الميزان التجاري الأمريكي.
ويعتبر تشينج خياوهي أن هذه العقود مجرد "مسكّن يوفر هدنة مؤقتة في الخلافات التجارية بين الصين والولايات المتحدة".
وبمعزل عن المسار الاقتصادي للجولة، فإن حصيلتها كانت مخيبة للأمل على صعيد الرؤية البعيدة الأمد لتطور العلاقات الجيو-استراتيجية في المنطقة تتسم بأهمية جوهرية للولايات المتحدة.
أمريكا أولا
أما الخطاب الذي ألقاه ترامب في دانانج بفيتنام وأشاد به البيت الأبيض مسبقا على أنه من المحطات الأساسية في رئاسته، فبدا في بعض اللحظات أشبه بمهرجان انتخابي يعقده ترامب على وقع شعار "أمريكا أولا".
فقد رسم الرئيس الأمريكي صورة لبلاده ضحية "استغلال تجاري مزمن" فندد بنبرة حادة بالاتفاقات المتعددة الأطراف التي "تكبل أيدي" الولايات المتحدة.
كما أنه لم يوضح رؤيته لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ كمنطقة "حرة ومفتوحة".
وقال يوشينوبو ياماموتو، الأستاذ في جامعة نييجاتا، إنه" ما زال يتحتم توضيح كيفية ترجمة هذا المفهوم عمليا".
ورأى راين هاس، مستشار الرئيس السابق باراك أوباما لشؤون أسيا، أن الجولة الرئاسية عززت الانطباع بأن "المنطقة تتقدم وتسرع خطاها في حين أن الولايات المتحدة تنظر إلى الخلف".
وذكر بصورة خاصة قرار 11 دولة من منطقة أسيا والمحيط الهادئ المضي قدما باتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ بعد خروج ترامب منها بصورة مفاجئة، وكذلك دعوات شي جين بينج إلى الانخراط في عولمة "لا رجوع عنها"، في تباين مع القومية الاقتصادية التي يعتمدها نظيره الأمريكي.
أما على صعيد العلاقة الشخصية، فإن كان ترامب على علاقة طيبة فعلا مع رئيس الوزراء الياباني شينزو أبي سواء في ملاعب الجولف أو خارجها، فإن العلاقة مع شي جين بينج تبقى أكثر تعقيدا وتشعبا بكثير.
ومن اللافت أن الرئيس الأمريكي الـ45 لم يذكر مرة خلال 12 يوما موضوع الاحترار المناخي، ولا سيما في بكين حيث توصل أوباما قبل 3 سنوات إلى اتفاق غير مسبوق مع الصين شكل قاعدة لاتفاق باريس حول المناخ.
وهو تحديدا الاتفاق الذي خرج منه دونالد ترامب محدثا صدمة في العالم، تحت شعار الدفاع عن مصالح الأمريكيين.