ترامب وآسيا.. تحديات تواجه استراتيجية البناء على نجاحات بايدن
على مدار 40 عاما كانت السياسة الأمريكية في آسيا ناجحة من خلال شبكة كثيفة ومتزايدة من التحالفات التي تحظى بدعم الحزبين.
ومع فوزه في الانتخابات، لن يفتقر دونالد ترامب إلى السبل للمشاركة في آسيا فبمجرد توليه منصبه سيرث سياسة هائلة تناقلتها الإدارات الجمهورية والديمقراطية وكانت الأساس الذي بنى عليه الرئيس الحالي جو بايدن سجله المثير للإعجاب في المنطقة وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
وعلى سبيل المثال، بدأت الشراكة الدبلوماسية بين أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة المعروفة باسم "الرباعية" أو "الحوار الرباعي"والتي رفعها بايدن من منتدى وزاري إلى قمة زعماء في عهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش كقوة عمل مشتركة لإنقاذ ضحايا تسونامي المحيط الهندي عام 2004، وأحيتها إدارة ترامب كاجتماع منتظم لوزراء الخارجية.
كما أن مبادرات بايدن بشأن وضع القوة العسكرية الأمريكية، وضوابط تكنولوجيا أشباه الموصلات، والعلاقات الثلاثية مع اليابان وكوريا، ترجع جذورها إلى إدارات بوش أو الرئيس الأسبق باراك أوباما أو الولاية الأولى لترامب.
وتتمتع التحالفات التي أضافتها رئاسة بايدن مثل تحالف "أوكوس" الذي يضم أستراليا والمملكة المتحدة بدعم واسع من الكونغرس ومن المرجح أن تستمر خلال الإدارات القادمة.
ومع ذلك فإن الأمر لا يخلو من المخاطر وفقا لما ذكرته "فورين أفيرز" التي قالت إنه إذا تمكنت الصين من تحقيق أهدافها فإنها ستجبر اليابان على الخروج من بحر الصين الشرقي، وستؤثر على الفلبين وغيرها من بلدان بحر الصين الجنوبي، وستجبر تايوان على قبول سلطتها وستنشئ قواعد عسكرية في المنطقة لمحاصرة الهند وأستراليا وستسيطر على الممرات البحرية.
ولن تحتاج إدارة ترامب إلى اختراع استراتيجية جديدة لآسيا لكنها تحتاج إلى تحديد ما ينجح وما لا ينجح والعمل على دعم نقاط الضعف في النهج الأمريكي الحالي.
ويتعين على الولايات المتحدة العمل على إحياء النفوذ الاقتصادي الأمريكي في المنطقة، وتسريع جهود الدفاع الجماعي، وإقامة تواصل منضبط مع البلاد التي قد تميل نحو الصين، وتوضيح الأهداف طويلة الأجل للمنافسة مع بكين.
رغم أن القوة السوقية الأمريكية في آسيا لا تزال قوية، فإن النفوذ الاقتصادي الأمريكي تراجع منذ عام 2018 بعد انسحاب إدارة ترامب الأولى من الشراكة عبر المحيط الهادئ وهي اتفاقية تجارية كانت تهدف إلى ربط الاقتصادات الأكثر انفتاحًا في آسيا، بما في ذلك أستراليا واليابان وماليزيا وسنغافورة، لمواجهة الصين ولم تحرز مبادرة بايدن للتوصل لاتفاقية بديلة تقدما.
لذا، أصبحت الصين في وضع أفضل بكثير لإعادة كتابة قواعد التجارة والبنية الأساسية والاستثمار في أجزاء رئيسية من آسيا.
وبالتالي، تحتاج إدارة ترامب الجديدة إلى التعامل بجدية مع صياغة الاتفاقيات الإقليمية والعالمية حول التجارة الرقمية ومكافحة الفساد وحقوق الملكية الفكرية لمواجهة جهود بكين.
لقد هدد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 60% على السلع الصينية وتعريفات جمركية عالمية بنسبة 10% لكن هذه التدابير الحمائية ستدفع الدول الأخرى للاقتراب من الصين وتعرقل تعاون الولايات المتحدة مع دول مثل أستراليا واليابان.
وستحتاج الولايات المتحدة أيضا إلى تحسين استعدادها العسكري في المنطقة وسيتعين عليها وعلى حلفائها تكثيف إنتاجهم الدفاعي لردع الصين.
وتحتاج واشنطن والحلفاء إلى المزيد من الذخائر والوصول الموثوق به إلى المعادن الحيوية مثل الجرمانيوم، الذي يتم استخراج 70٪ منه في الصين وروسيا، لبناء أنظمة متقدمة مثل أجهزة الكشف الحرارية للصواريخ والطائرات المقاتلة.
ويجب على ترامب الضغط على الكونغرس للموافقة على عقود دفاعية متعددة السنوات والعمل مع شركاء الولايات المتحدة لتوسيع الوصول إلى المعادن الحيوية وتخفيف بعض قواعد مراقبة الصادرات حتى تتمكن الولايات المتحدة من دمج إنتاجها الدفاعي بشكل أفضل مع إنتاج حلفائها.
ويتعين على إدارة ترامب مضاعفة جهود الدفاع الجماعي وإنشاء نسخة آسيوية من حلف شمال الأطلسي (ناتو) وبالفعل يجري حلفاء الولايات المتحدة تدريبات مشتركة أكثر من أي وقت مضى.
ويتعين على واشنطن أيضا ربط الناتو بحلفائها في آسيا، وهي المهمة التي أصبحت أكثر إلحاحا بسبب وجود القوات الكورية الشمالية في أوكرانيا.
في المقابل، فإن الصين تفاجئ الولايات المتحدة وحلفاءها باستمرار بمناورات عسكرية غير متوقعة وأنظمة أسلحة جديدة والأكيد أن استخدام المفاجأة بفعالية، قد يهز ثقة الخصم في خططه العسكرية ويعزز الردع.
ويشتهر ترامب باستخدام عدم القدرة على التنبؤ كسلاح لكن تصرفاته المفاجئة في ولايته الأولى كانت غير منتجة في الغالب فلم تزعزع توازن خصوم الولايات المتحدة فحسب، بل أيضا توازن حلفائها.
ويقدم تحالف "أوكوس" المفاجئ نموذجا أفضل لأنواع السياسات التي يمكن لإدارة ترامب أن تقدمها لانتزاع المبادرة من الصين.
إن العمل مع حلفاء رئيسيين مثل أستراليا واليابان لتعزيز الردع سيتطلب جهودا عاجلة لكن جهود الولايات المتحدة في أجزاء أخرى مثل جنوب شرق آسيا وجزر المحيط الهادئ، ستتطلب الصبر والانضباط خاصة وأن واشنطن لم تهتم بهذه المناطق إلا بشكل متقطع ولمواجهة تحديات ذات أولوية أعلى مثل الشيوعية، والتوسع الاقتصادي الياباني بعد الحرب، والإرهاب.
ولا ينبغي لإدارة ترامب أن تجعل إبعاد هذه الدول عن الصين هدفها الوحيد، لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى جعل هذه الحكومات أكثر حذرا من المشاركة الأمريكية.
وستحتاج إدارة ترامب أيضا إلى مكافحة الدعاية المناهضة للغرب ولا ينبغي لأي من الجهود الأمريكية أن تأتي على حساب الالتزام بتعزيز القيم الديمقراطية.
تظل الأهداف طويلة الأجل في آسيا مسألة عالقة وفي حين اعتبرت إدارة بايدن أنه يمكن أن تتعايش الولايات المتحدة والصين بسلام فمن المتوقع أن تتبنى إدارة ترامب موقف أكثر صرامة وهو ما يثير مخاوف حلفاء الولايات المتحدة المعتمدين اقتصاديا على بكين والأكثر عرضة للأذى بسبب قربهم من مخزونها الضخم من الصواريخ.
وأخيراً، يتعين على إدارة ترامب أن تدرك أن تحقيق الردع والاستقرار في آسيا يعتمد جزئياً على أفعالها في أماكن أخرى حيث تؤثر حرب أوكرانيا على أمن آسيا فحلفاء الولايات المتحدة لا يريدون أن تقدم واشنطن تنازلات لروسيا خوفا من أن يشجع ذلك الصبن على التصرف بشكل أكثر عدوانية.
وفي عصر متعدد الأقطاب على نحو متزايد، لن تعتمد الزعامة الأمريكية في آسيا على قدرات الولايات المتحدة فحسب، بل أيضا على المزايا التكنولوجية والعسكرية والدبلوماسية والجغرافية التي يجلبها حلفاؤها إلى الطاولة.