سباق التسلح النووي المقبل.. هل يدفع ترامب الحلفاء نحو القنبلة؟

مع دخول الإدارة الثانية لدونالد ترامب عامها الأول، تبدو السياسة الخارجية الأمريكية وكأنها تعيد عقارب الساعة قرنًا إلى الوراء.
وفي خضم تفكيك النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، يبدو أن البيت الأبيض لم يضع في اعتباره العواقب المحتملة لهذا المسار، ومن أبرزها خطر انتشار الأسلحة النووية.
- مفاوضات نزع «النووي».. روسيا تلقي الكرة بملعب ترامب
- ترامب وكيم بالولاية الثانية.. هل يُنعش «الحب» محادثات «النووي»؟
لكن هذه المرة، لا يأتي التهديد من تنظيمات إرهابية أو دول مارقة، بل من حلفاء تقليديين للولايات المتحدة، ممن لم يعودوا يثقون في الضمانات الأمنية التي كانت توفرها واشنطن لعقود.
ووفق تحليل لمجلة «فورين بوليسي»، فإن انهيار النظام الليبرالي العالمي لا يعني فقط عودة المنافسة الجيوسياسية التقليدية، بل يهدد أيضًا أحد أهم إنجازاته: نظام منع الانتشار النووي.
هذا النظام لم يكن قائمًا على القسر بقدر ما كان يعتمد على شعور الدول بالأمان ضمن إطار تحالفات دولية تقودها أمريكا، لكن مع تبدد هذا الشعور بالأمان، قد تجد العديد من الدول نفسها مجبرة على البحث عن بدائل نووية لحماية مصالحها.
ما بعد الحرب العالمية الثانية
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، شرعت الولايات المتحدة في بناء نظام دولي قائم على القواعد، بعد أن أدركت أن السياسات الأحادية قصيرة الأمد تؤدي إلى أزمات اقتصادية، وصعود أنظمة استبدادية، ونشوب الحروب الكبرى.
ولتحقيق الاستقرار، تبنت واشنطن نهجًا يقوم على التعاون الدولي، حيث وظفت قوتها العسكرية والاقتصادية ليس فقط لحماية نفسها، بل لحماية حلفائها أيضًا.
كان حجر الزاوية في هذا النظام هو معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي أبرمت عام 1970، والتي ضمنت بقاء الأسلحة النووية محصورة في أيدي 5 دول فقط: الولايات المتحدة، والاتحاد السوفياتي، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والصين.
العصر النووي الجديد#عينك_على_العالم pic.twitter.com/Yr3OS13bKP
— العين الإخبارية (@AlAinNews) March 8, 2025
في المقابل، تعهدت بقية الدول بعدم السعي لامتلاك أسلحة نووية، مقابل ضمانات أمنية دولية.
لكن مع تآكل الثقة في هذا النظام، فإن العديد من الدول قد تجد نفسها أمام خيار صعب: إما الاعتماد على مظلة نووية جديدة، أو تطوير ترسانتها الخاصة.
كيف يدفع ترامب نحو سباق تسلح جديد؟
ولطالما ركزت السياسة الأمريكية في العقود الأخيرة على منع انتشار الأسلحة النووية في الدول المارقة مثل كوريا الشمالية وإيران.
لكن سياسات ترامب الأخيرة قد تفتح الباب أمام دول أخرى، بما في ذلك حلفاء تقليديين، لإعادة التفكير في خياراتهم النووية.
على سبيل المثال، فرنسا في الستينيات، رغم أنها كانت مشمولة بالمظلة النووية الأمريكية، إلا أن الرئيس الفرنسي شارل ديغول لم يكن يثق في أن واشنطن ستدافع عن بلاده في جميع السيناريوهات، ولذلك قرر تطوير قوة نووية مستقلة.
واليوم، مع تراجع الموثوقية الأمريكية، قد تتخذ دول أخرى قرارات مماثلة.
عودة شبح الانتشار النووي
وفي التسعينيات، بدا أن العالم قد تجاوز خطر المواجهة النووية بين القوى الكبرى، لكن الأحداث الأخيرة تشير إلى عودة هذا التهديد.
أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو أوكرانيا، التي سلمت ترسانتها النووية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي مقابل ضمانات أمنية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا. لكن مع اجتياح روسيا لأوكرانيا عامي 2014 و2022، أصبح واضحًا أن هذه الضمانات لم تكن ذات قيمة.
والآن، مع تولي ترامب الرئاسة مجددًا، تزداد المخاوف من أن التزام أمريكا بأمن حلفائها قد يضعف بشكل أكبر. وهذا من شأنه أن يدفع دولًا مثل ألمانيا، بولندا، وكوريا الجنوبية إلى إعادة النظر في خياراتها الاستراتيجية.
من سيكون التالي؟
وإذا استمرت الولايات المتحدة في تفكيك التزاماتها الأمنية، فمن المرجح أن تشهد السنوات المقبلة موجة من الانتشار النووي في مناطق متعددة:
أوروبا: بدأت ألمانيا في مناقشة توسيع المظلة النووية البريطانية والفرنسية لتشمل أراضيها، بينما تدرس بولندا إمكانية تطوير برنامج نووي مستقل.
آسيا: كوريا الجنوبية قد تصبح الدولة الأولى التي تسعى لامتلاك أسلحة نووية، وقد تتبعها اليابان إذا شعرت بأن الاعتماد على أمريكا لم يعد كافيًا.
الشرق الأوسط: قد يدفع تراجع الضمانات الأمنية الأمريكية إيران إلى تجاوز العتبة النووية، مما قد يؤدي إلى رد فعل عنيف من إسرائيل أو الولايات المتحدة.
ماذا يعني هذا للعالم؟
نحن أمام مرحلة قد تؤدي إلى سباق تسلح نووي عالمي، حيث تحاول الدول تأمين نفسها بعد أن أدركت أن الضمانات الأمريكية لم تعد موثوقة.
ومع استمرار إدارة ترامب في تقويض التحالفات الأمنية، فإن خطر الانتشار النووي قد يصبح واقعًا لا مفر منه.
وقبل ستين عامًا، قال ديغول إن «القوى النووية لا تستطيع الاعتماد على الآخرين في ضمان أمنها».
واليوم، قد يجد العالم نفسه مضطرًا لأخذ هذه الفكرة على محمل الجد أكثر من أي وقت مضى.
الفرق الوحيد هو أن أمريكا، التي كانت القوة التي تحاول منع الانتشار النووي، قد تصبح الدافع الرئيسي وراءه.
aXA6IDE4LjE5MS4xODYuMTQg جزيرة ام اند امز