تدمير الاتحاد الأوروبي.. استنتاجات صعبة خلّفها «عداء» ترامب

يتصاعد الجدل في أوروبا حول مدى عمق العداء الذي تبديه إدارة ترامب للقارة العجوز، وما إذا كان الهدف الحقيقي هو تدمير الاتحاد الأوروبي.
وخلال ولايته الأولى (2017 - 2021)، وصف ترامب الاتحاد الأوروبي بأنه "عدو"، متهماً إياه بالإضرار بالمصالح التجارية للولايات المتحدة.
وتكرر هذا الاتهام في اجتماع وزاري، لكن بعبارات أكثر فظاظة، بالقول: "الاتحاد الأوروبي تأسس لخداع الولايات المتحدة، وقد نجحوا في ذلك"، ثم أعلن أنه يستعد لفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على السيارات والبضائع الأوروبية، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
تزامنت تصريحات ترامب مع تقاربه مع روسيا وتحذيراته المتكررة لأوروبا بأن عليها الاعتماد على نفسها في الدفاع، وهو ما عزز القناعة لدى القادة الأوروبيين بأن ترامب وفريقه من الموالين لا يعتبرون أوروبا شركاء موثوقين، بل خصوماً في كل شيء، لا في التجارة فقط.
عداء أم لا مبالاة؟
ويرى مسؤولون ومحللون أن إدارة ترامب باتت غير مبالية بأوروبا، ووصل بعضهم إلى حد الاعتقاد بأنها تتخذ موقفا عدائيا صريحا.
لكن هناك وجهة نظر مشتركة مفادها أن العلاقة الأساسية قد تغيرت وأن أمريكا أصبحت حليفاً أقل موثوقية وقابلية للتنبؤ.
ولم يقتصر نهج إدارة ترامب على العداء الدبلوماسي، بل امتد إلى تشجيع القوى المنتمية لأقصى اليمين داخل أوروبا. إذ هاجم نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، الديمقراطية الأوروبية علناً، داعياً إلى فتح المجال أمام أحزاب أقصى اليمين. في الوقت نفسه، لم يخفِ الملياردير إيلون ماسك، أقرب مستشاري ترامب، ازدراءه للقادة الأوروبيين، وذهب إلى حد دعم حزب أقصى اليمين في ألمانيا.
وازدادت المخاوف الأوروبية بعد أن رفضت الولايات المتحدة إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بالأمم المتحدة، وصوّتت إلى جانب روسيا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية ما شكل صدمة لحلفاء واشنطن التقليديين في أوروبا.
تلك التحركات دفعت القادة الأوروبيين إلى إعادة تقييم علاقتهم بواشنطن، حيث يسعى رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى ثني ترامب عن التخلي عن دعم أوكرانيا، لكن جهودهما لم تؤتِ ثمارها حتى الآن.
تفكيك الاتحاد الأوروبي؟
يرى محللون أن إدارة ترامب لا تكتفي بمجرد اللامبالاة تجاه أوروبا، بل تسعى فعلياً إلى إضعافها.
وتعتبر ناتالي توتشي، مديرة معهد الشؤون الدولية في إيطاليا، أن تعزيز أقصى اليمين داخل أوروبا هو وسيلة لتحقيق هذا الهدف.
وقالت: "ترامب وفريقه ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي ليس فقط كمنافس اقتصادي، بل أيضاً كتهديد أيديولوجي"، مشيرة إلى أن واشنطن تحاول تقويض قدرة الاتحاد الأوروبي على تنظيم التجارة، والتنافس الاقتصادي، ومراقبة خطاب الكراهية.
يُعد الاتحاد الأوروبي أكبر تكتل تجاري في العالم، وهو قادر على مواجهة واشنطن من خلال فرض تعريفات مضادة، مما يجعله "الخصم الاقتصادي" الذي تحدث عنه ترامب في ولايته الأولى. ومن هنا، فإن الشركات الأمريكية الكبرى، مثل تلك التي يملكها إيلون ماسك، تسعى إلى إضعاف تأثير الاتحاد الأوروبي في وضع القوانين العالمية، خاصةً تلك المتعلقة بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والمنافسة الرقمية.
ولكن إذا شعرت إدارة ترامب بضرورة تدمير هذا التهديد، فإن الدول الأوروبية لا تستطيع فعل الكثير لإرضاء البيت الأبيض، كما حذر خبراء.
مستقبل العلاقة
في ظل هذا الوضع، يحذر الخبراء من أن محاولة أوروبا استرضاء ترامب قد لا تُجدي نفعاً، وقالت ناتالي توتشي: "إذا كانت إدارة ترامب تسعى إلى دعم أقصى اليمين وتدمير الديمقراطية الأوروبية، فإن شراء الغاز الأمريكي المسال أو الأسلحة لن يُحدث أي فرق"، مضيفة أن "زيادة الاعتماد على الولايات المتحدة، قد يكون ذلك بمثابة انتحار مزدوج".
أما ماثيو كرونيج، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية، فقد حاول التقليل من حجم الأزمة، قائلاً إن العلاقات الأمريكية الأوروبية مرت سابقاً بتوترات كبيرة، كما حدث خلال حربي العراق وفيتنام، لكنها لم تنهَر تماماً.
وأشار كرونيج إلى أن ولاية ترامب الأولى تميزت أيضًا "بقدر كبير من الخطاب القاسي ضد الحلفاء والكثير من اللغة المتسامحة تجاه بوتين، ولكن في النهاية، تم تعزيز حلف شمال الأطلسي".
لكن في المقابل، يرى خبراء عكس ذلك، وقال نايغل جولد-ديفيز، الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية، إن نهج ترامب يمثل "استسلاماً استراتيجياً" أمام روسيا، مما يعرّض مصداقية الولايات المتحدة وتحالفاتها الدولية للخطر.
وخلص تقرير "نيويورك تايمز" إلى أن العلاقات الأمريكية-الأوروبية تواجه أزمة غير مسبوقة، تتجاوز الخلافات التجارية إلى صدام أيديولوجي واستراتيجي.
وبينما تبحث الدول الأوروبية عن إيجاد سبل للحفاظ على شراكتها مع واشنطن، فإن تصاعد نفوذ أقصى اليمين بدعم أمريكي قد يضعف تماسك الاتحاد الأوروبي ويُعيد تشكيل النظام العالمي الذي نعرفه.
aXA6IDMuMTQ5LjIzOC4xMyA= جزيرة ام اند امز