من غرينلاند لكييف وبنما.. قاسم مشترك يربط أجندة ترامب

منذ عودته إلى البيت الأبيض، أثار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، موجة من الجدل بسبب سياساته الخارجية غير التقليدية.
من بين هذه السياسات، مقترحات غير مسبوقة لضم كندا، والسيطرة على غرينلاند الدنماركية، وتعزيز النفوذ الأمريكي في قناة بنما وأوكرانيا.
ورغم تباين هذه الملفات ظاهريًا، إلا أن هناك قاسما مشتركا يربط بينها جميعًا: المعادن الحيوية.
فمع تصاعد المواجهة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، يبدو أن إدارة ترامب تسعى لضمان سيطرة أمريكية على سلاسل إمداد هذه الموارد الاستراتيجية التي تشكل العمود الفقري لصناعات الدفاع والطاقة والتكنولوجيا المتقدمة.
نتيجة لذلك، أصبحت كندا، بمكانتها كمركز رئيسي للتعدين، وغرينلاند، التي تمتلك احتياطيات من العناصر الأرضية النادرة، رغم صعوبة استخراج هذه الموارد، محط اهتمام واشنطن، فضلا عن أوكرانيا أيضا.
وهكذا، تبدو سياسة ترامب الخارجية، وفقا لمجلة "فورين بوليسي"، مدفوعة برؤية استراتيجية تهدف إلى تقليل الاعتماد على الصين وتأمين الموارد الحيوية، حتى وإن تطلب الأمر اتباع نهج غير تقليدي.
معادن مهمة
قد لا تبدو المعادن الحيوية أولوية واضحة للسياسة الخارجية الأمريكية، لكنها أكثر أهمية مما قد يظن البعض. وتشمل هذه المجموعة الواسعة 50 مادة خامًا تُشكل الأساس لقطاعي الدفاع والطاقة في الولايات المتحدة، من بينها الليثيوم والكوبالت والغاليم والجرمانيوم والنيكل والعناصر الأرضية النادرة.
ومن بين جميع المعادن الحيوية، تُعد العناصر الأرضية النادرة، وهي مجموعة من 17 عنصرًا معدنيًا مثل اللانثانوم والنيوديميوم، الأكثر تداولًا في العناوين الرئيسية.
ورغم تسميتها، فإنها ليست نادرة حقًا، لكن العثور عليها بتركيزات تجارية كبيرة قد يكون تحديًا.
وبمجرد استخراجها ومعالجتها، تكون لها تطبيقات عسكرية حيوية، مثل استخدامها في تصنيع مقاتلات "إف-35"، حيث تحتوي كل طائرة منها على 920 رطلًا من هذه المعادن.
المشكلة التي تواجه الولايات المتحدة هي أن الصين، بعد جهود استمرت لعقود، باتت تهيمن على سلاسل إمداد العديد من هذه المعادن، لا سيما العناصر الأرضية النادرة. كما أثبتت بكين استعدادها لاستخدام هذه الهيمنة كأداة ضغط، مما دفع واشنطن إلى السعي لتنويع مصادرها بعيدًا عن النفوذ الصيني.
وكان تعزيز صناعة المعادن الحيوية المحلية في الولايات المتحدة محور اهتمام كل من إدارة ترامب الأولى وإدارة الرئيس السابق جو بايدن، التي قدمت حوافز ضريبية ضخمة للقطاع من خلال قانون خفض التضخم، وأكدت أهمية التعاون مع الحلفاء لإنشاء سلاسل إمداد جديدة.
ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، برزت المعادن الحيوية مرة أخرى كعنصر مهم في أجندته.
ترامب ليس وحده
لم يكن ترامب وحدة، الطامح للسيطرة على ثروات كندا وغرينلاند وأوكرانيا من المعادن النادرة، بل روج عدد من نواب الكونغرس الأمريكي للسيطرة على هذه الثروات، بينما كان ترامب يزيد من دعواته لضم جزيرة غرينلاند الاستراتيجية، التي تُعد إقليمًا مستقلًا يتبع الدنمارك.
وفي إطار هذه المساعي، اقترح بعض الجمهوريين في مجلس النواب الشهر الماضي قانونًا بعنوان "لنجعل غرينلاند عظيمة مجددًا"، والذي سيسمح للرئيس الأمريكي بالتفاوض مع الدنمارك لشراء الجزيرة.
وقال السيناتور الجمهوري تيد كروز من تكساس في جلسة استماع هذا الشهر: "تجلس غرينلاند فوق احتياطيات ضخمة من العناصر الأرضية النادرة"، مضيفا: "إذا تمكنت الولايات المتحدة من الوصول إلى موارد غرينلاند، فقد تقلل بشكل كبير من اعتمادنا على الموردين الأجانب، لا سيما الصين، التي تهيمن حاليًا على سوق العناصر الأرضية النادرة".
وفي الوقت ذاته، ومع تصاعد التوترات بين أوتاوا وواشنطن بسبب دعوات ترامب لضم كندا، أشار رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أيضًا إلى ثروة بلاده من المعادن كسبب محتمل لهذا الاهتمام الأمريكي.
وقال ترودو، خلال اجتماع مع قادة أعمال في تورونتو: "اعتقد أن إدارة ترامب تعرف عدد المعادن الحيوية التي نملكها، بل ربما يكون هذا سببًا في حديثهم المتكرر عن ضمنا وجعلنا الولاية الـ51."
وأضاف: "هم مدركون تمامًا لمواردنا، ويريدون بشدة الاستفادة منها".
وظهرت المعادن أيضًا كعامل رئيسي في توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، بعد اقتراح زيلينسكي صفقة تستبدل العناصر الأرضية النادرة الأوكرانية بمواصلة الدعم الأمريكي لكييف في حربها ضد روسيا.
وعلى الرغم من اقتراب كييف وواشنطن من التوصل إلى اتفاق، إلا أن الفكرة بحد ذاتها أثارت استغراب المحللين والخبراء في الصناعة، نظرًا لعدم امتلاك أوكرانيا أي رواسب تجارية للعناصر الأرضية النادرة أو إنتاجها حاليًا، ولم تقم بذلك منذ عقود.
كما أن البيانات الجيولوجية المتاحة نادرة، والمناطق المحتملة لاستخراج هذه الموارد غير متاحة بسبب الحرب مع روسيا.
وقال كريستوفر إكلستون، خبير التعدين في شركة هالغارتن: "لم أعلم بوجود معادن نادرة في أوكرانيا، رغم أنني أعمل في هذا المجال منذ 15 عامًا".
التعدين ليس سهلا
وحتى إن كانت أوكرانيا تمتلك رواسب اقتصادية قابلة للاستخراج من هذه المعادن، وهو ما لا يوجد دليل عليه حتى الآن، فإن تطويرها سيتطلب استثمارات هائلة وسنوات طويلة لتحقيق أي تقدم.
وأوضحت غراسلين باسكاران، خبيرة أمن المعادن الحيوية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، أن تطوير منجم يستغرق في المتوسط 15 عامًا على مستوى العالم، كما أن المشاريع تتطلب عشرات الملايين من الدولارات من رأس المال، وهو ما لا يبدو متاحًا في ظل الحرب الجارية.
وأضافت: "لا يمكنك تطوير منجم من الصفر واستخراج الموارد في غضون ثلاث أو أربع سنوات. إنه مشروع يستغرق عقودًا".
كما أن التعدين ليس سوى جزء من المعادلة، إذ يتطلب إنشاء سلاسل إمداد جديدة وبنية تحتية متكاملة للتكرير والمعالجة والتصنيع، وهي مجالات تسيطر عليها الصين بشكل كبير، خصوصًا فيما يتعلق بالعناصر الأرضية النادرة.
وشبّه بازليان الضجة الحالية حول الموارد الأوكرانية بتلك التي أثيرت عندما أعلنت الولايات المتحدة قبل أكثر من عقد عن اكتشاف معادن بقيمة تريليون دولار في أفغانستان – وهو أمر لم يتحقق منه شيء.
وقال: "شهدنا نقاشًا مماثلًا ومبالغًا فيه حول المعادن في أفغانستان، لكن التعدين عملية معقدة وصعبة، لا تقتصر فقط على استخراج المعادن، بل تشمل معالجتها وتسويقها ودمجها في سلاسل الإمداد".
aXA6IDMuMTcuNTYuMTA3IA== جزيرة ام اند امز