القارة العجوز.. هل تصبح التهديد الأكبر لترامب؟
يستعد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للتعامل مع الصين باعتبارها التهديد الرئيسي للبلاد والتعامل مع أوروبا كمصدر قلق ثانوي.
لكنّ هذا التصور قد لا يدوم، فرغم أن المواجهة مع الصين قد تكون صعبة ومكلفة وتتطلب تحالفا معقدا، إلا أن هناك على الأقل بعض البنية للصراع، مما يتناقض مع الوضع في أوروبا، في ظل المشكلات المتعددة التي تواجه القارة العجوز.
وقد تكون نتيجة الأزمات في أوروبا فراغاً فوضوياً لا يمكن حله، وهو أسوأ وضع ممكن تقريباً، وفقا لما ذكره ميث نوتون في مقال رأي نشره موقع "ذا هيل" الأمريكي.
ورغم مشكلات الولايات المتحدة إلا أنها موطن لأكثر الشركات ابتكاراً وتطوراً، كما تنمو الإنتاجية والاقتصاد فيها باستمرار، على النقيض من الجمود الذي تعيشه أوروبا التي تعد موطنا لعدد قليل من شركات التكنولوجيا الرائدة، كما أنها تفتقر إلى الإرادة اللازمة لاتخاذ خيارات صعبة وهو الوضع الذي تفاقم بسبب العملة الموحدة اليورو.
ويمثل اليورو رمزاً لمشكلات أوروبا خاصة وأن وجوده لا علاقة له بالاقتصاد بل بالسياسة والنخب الأوروبية التي كانت تحلم بأوروبا الموحدة على مدى السنوات الـ160 الماضية ومع ذلك أثبتت الأيام أنه من المستحيل استئصال القومية.
وكان من المفترض أن يكون إنشاء اليورو خطوة رئيسية في تكامل أوروبا، حيث تصورت النخب الأوروبية أن العملة الموحدة ستكون خطوة ناجحة، وستكون منافسا أو بديلا للدولار كعملة احتياطية عالمية، لكنّ الأمور لم تسر على هذا النحو.
فبعد بداية صعبة، ارتفع اليورو، الذي كان مربوطًا في الأصل عند 1.15 دولار مقابل 1 يورو، إلى 1.60 دولار بحلول عام 2008 فقط ليبدأ انزلاقًا طويلًا لا هوادة فيه إلى ما يقرب من التعادل في الوقت الحالي.
وفي حين أن هذا يجعل صادرات دول اليورو أكثر قدرة على المنافسة، فإنه يجعل شعوبها أيضًا أكثر فقرًا، كما أن أي انخفاض مطول في قيمة العملة يعكس ضعفًا اقتصاديًا.
والأسوأ من ذلك، أن اليورو يفرض سياسة نقدية واحدة تناسب الجميع فهو يمنع الاقتراض بعملات الدول العشرين التي تستخدم اليورو، على الرغم من الاختلافات بين اقتصاداتها وسياساتها المالية وديونها الوطنية وسياساتها الداخلية.
وقد يكون كل شيء على ما يرام في ظل الظروف الاقتصادية الجيدة لكن عندما يتعثر النمو وتفسد الحسابات، تظهر المشكلات وهو ما كشفته الأزمة المالية في اليونان والتي كانت بمثابة تحذير.
فبسبب منعها من خفض قيمة عملتها أو التخلف عن سداد ديونها أو إعادة هيكلتها، تحملت اليونان التقشف الشديد وعدم الاستقرار السياسي لسنوات وهاجر مئات الآلاف، ولم يعد الاقتصاد أفضل مما كان عليه قبل 20 عاماً، ولم يتعلم الاتحاد الأوروبي من الأزمة حيث كان ينبغي لأثينا أن تنسحب من اليورو.
واليوم، فإن فرنسا هي التي تواجه مشكلة في ظل عجز مالي هائل وديون وطنية سريعة الارتفاع، إلا أن باريس تجد نفسها غير قادرة على خفض قيمة عملتها، لذا فهي تواجه حزمة تقشف لن يقبلها أحد على المستوى المحلي، كما أن اليسار واليمين غير مستعدين لكبح جماح الدولة.
وإذا كانت لا تزال تمتلك الفرنك، فإن فرنسا سيكون بإمكانها خفض قيمته وفرض ديونها على مواطنيها ونظامها المصرفي، ورغم أن هذا الحل ليس مثاليا إلا أنه أفضل من التقشف حيث يكون هناك مجال أكبر لتحقيق الإصلاح، كما أنه يمنح المواطنين الوقت الكافي للتكيف مع الواقع الاقتصادي الجديد.
تأثير فوري ومؤلم
في المقابل، فإن التقشف تأثيره فوري ومؤلم ويضرب مجموعات محددة بشدة، كما أنه مزعزع للاستقرار السياسي ويؤدي إلى التطرف، ونادرا ما يكون حلا طويل الأجل.
وفي حين كانت اليونان صغيرة بدرجة كافية جعلت أزمتها قابلة للإدارة، فإن فرنسا أكبر بكثير مما ينبغي، كما أنها تعيش أزمة سياسية وتواجه موجة وشيكة من الواردات الصينية التي تغمر الأسواق الأوروبية، إضافة إلى الفراغ السياسي في ألمانيا.
وإلى جانب فرنسا تعاني عدة دول أوروبية من مشكلات كبيرة في مجال الرعاية الاجتماعية والقدرة التنافسية، ومن المرجح أن تدخل المزيد من دول منطقة اليورو، في أزمات تقشفية تتحول إلى أزمة سياسية.
وبدون دفعة كبيرة للنمو الاقتصادي، ستجد أوروبا صعوبة في دفع تكاليف دفاعها، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم التوترات مع ترامب.
وتلقى الإصلاحات التي اقترحها ماريو دراجي في تقريره إلى الاتحاد الأوروبي صدى قويا، ورغم أنها ليست علاجا لكل شيء، لكن يبدو أنه لا يوجد أي رغبة على الإطلاق في تغيير أي شيء.
أزمة كبيرة
وعلى مدى السنوات الأربع المقبلة، ستواجه إدارة ترامب أزمة كبيرة مع تفكك أوروبا سياسيا وعدم قدرتها على تحمل تكاليفها فضلا عن تكاليف أمنها إضافة إلى عدم الاتحاد في مواجهة الصين أو إيران أو روسيا.
وفي الوقت الذي يشعر فيه الخبراء الأمريكيون بالذعر إزاء التزام ترامب بحلف شمال الأطلسي، فمن المحتمل أن يتسبب التدهور الاقتصادي والسياسي الأوروبي في انهيار الحلف في ظل فشل القارة العجوز في الوفاء بالتزاماتها الدفاعية وبناء اقتصاد قوي لدعم نفسها ولدعم التحالف عبر الأطلسي.
aXA6IDMuMTQ3LjQ5LjE5IA== جزيرة ام اند امز