شخصية ترمب القوية، واتهامه المتكرر لسياسة إدارة أوباما بأنها ضعيفة، نتوقع أنها تعكس رؤيته الحقيقية، التي ستقود إلى توتر بين الدولتين العظميين، ما لم تتراجع موسكو عن سياستها في القرم وأوروبا الشرقية.
هذا ملف بالغ الأهمية ليس للغربيين فقط، بل لنا أيضًا، ليس فقط لأن روسيا حليف نشط لإيران، وشريك أساسي في الحرب في سوريا، بل لأن ترتيبات العلاقات الدولية مرهونة بما سيحدث لاحقًا بين الدولتين العظميين في مناطق متعددة. والتوقعات المتفائلة بعصر جديد يعد بمزيد من التعاون بين موسكو وواشنطن، نتيجتها قد تفاجئنا بعكس ذلك، وتنتهي العلاقات الجيدة بينهما التي ميزت عهد أوباما طوال سنواته الثماني.
الرئيس المنتخب دونالد ترمب أثنى على الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، وردد قوله بأنه سيستطيع تحسين العلاقة معه. إنما لم أسمع رأيًا متخصصًا بأن الولايات المتحدة تحت إدارة الجمهوريين، في البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس يؤيد هذا القول. هناك كثير من المشكلات التي تغلي، مثل تنامي النزاع في أوكرانيا، والخلاف على حدود ونفوذ حلف الناتو، وتهديد مصالح أوروبا. بين الجمهوريين من يلوم إدارة أوباما لأنها لم تقف في وجه تمدد الروس، والعودة لمناطق نفوذهم القديمة أيام الحرب الباردة.
شخصية ترمب القوية، واتهامه المتكرر لسياسة إدارة أوباما بأنها ضعيفة، نتوقع أنها تعكس رؤيته الحقيقية، التي ستقود إلى توتر بين الدولتين العظميين، ما لم تتراجع موسكو عن سياستها في القرم وأوروبا الشرقية. والجميع في انتظار إعلان ترمب عن طاقم مطبخه، ويرجح أن يختار وزير خارجيته من الصقور، ليؤكد أن «أميركا ترمب» غير «أميركا أوباما».
ما الذي يهمنا في ملف علاقات موسكو وواشنطن؟
مثلت نهاية الحرب الباردة، في مطلع التسعينات، نهاية خريطة التحالفات في منطقة الشرق الأوسط كما عرفها العالم لنصف قرن تقريبًا، وغلبت على الفترة التالية سياستان أميركيتان متناقضتان؛ هجومية، مثل غزو العراق خلال رئاسة جورج دبليو بوش، وانكفائية في عهد أوباما. وقد وجه عدد من الجمهوريين انتقاداتهم للإدارة الحالية لأنها أنهت الوجود العسكري الأميركي تمامًا في العراق، مخالفة سياسة بوش التي أعلنت عن سحب معظم القوات، مع ترك ما يكفي لمنع وجود فراغ يتسبب في تسلل قوى أخرى إلى هذه الدولة المهمة استراتيجيًا، وهو ما حدث لاحقًا بهيمنة إيران وظهور تنظيم داعش.
الفصل الآخر في هذا الملف، طموحات إيران النووية، والعلاقة الاستراتيجية الأميركية مع إسرائيل، ومصالح واشنطن في منطقة الخليج البترولية. بعد انكشاف سر التفاوض مع طهران، أصبحت إسرائيل المعارض الأول والنشط ضد التفاوض والاتفاق. ومع أن أوباما حصل على موافقة الكونغرس على الاتفاق، وهزم اللوبي الموالي لإسرائيل مستخدمًا كل الضغوط التي توفرت له، إلا أن المعارضة لا تزال قوية وتتوعد بتعطيل الاتفاق في الموسم السياسي الجديد.
إيران لم تعطِ أوباما شيئًا مهمًا في المقابل، فقد سارعت لطمأنة الروس إلى أن اتفاقها النووي لن يخلّ بعلاقتها المميزة معهم، ثم أكدت تحالفها من خلال الصفقات والعمليات العسكرية المشتركة مع روسيا، وهذا، على الأرجح، سيعيد تلوين خريطة تحالفات الشرق الأوسط مقسمة بين الروس والغرب.
وقد يؤدي صعود ترمب، مع إصرار بوتين على مواقفه، إلى عودة روح الحرب الباردة وليس الحرب نفسها. فهل هذا الوضع المحتمل في صالحنا ومنطقتنا؟ من ناحية؛ هناك أثر سلبي، لأن التوتر والقلاقل ستزداد، ومن ناحية أخرى يمكن تفعيل الاتفاقات الدفاعية المشتركة الخليجية - الأميركية، والاستماع لاعتراضات إسرائيل ضد «حزب الله» التي ستضع حدًا للتمدد الإيراني في منطقتنا.
لا شك في أن وصول ترمب للبيت الأبيض حدث مهم سيترك بصماته في العالم، ومن بينه منطقتنا. هناك كثير من القضايا التي تركت معلقة خلال فترة أوباما، والتي سترتبط بتفسير العلاقة مع الكرملين، وبقدرة الرئيسين لاحقًا على التعاون أو التنافس. وليس علينا أن نتوقع الكثير في النصف الأول من العام الأول لرئاسة ترمب، خصوصا في مناطق النزاع الكبرى مثل سوريا والعراق، لأن سياسة إدارته ستتبلور بشكل أوضح لاحقًا. فهل ستكون إيران، قبل ذلك الحين، قادرة على حسم كل المعارك لصالحها؟ أم إن معسكر الدول العربية الذي يواجه إيران اليوم ينجح في تعطيل تقدمها على الأرض فترة كافية، وأنه يمكن إعادة إيران إلى الصندوق الذي سبق أن أغلق عليها في سياسة الاحتواء الغربية؟ أم هل تبدل إيران سلوكها استجابة للتطورات الدولية الجديدة؟
*نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة