ترامب في اختبار 2025.. وعود السياسة الخارجية على المحك
قبل سنوات، سُئل رئيس الوزراء البريطاني هارولد ماكميلان عن الشئ الذي قد يمنعه من الوفاء بوعوده للناخبين فأجاب، "الأحداث".
وفي الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لتولي منصبه في 20 يناير/كانون الثاني 2025 متعهدا بحل مشكلات أمريكا، فإن السوال الآن هو: إلى أي مدى وبأي سرعة سيذهب في تغيير السياسة الخارجية لبلاده.
وترتبط النقاشات حول هذا السؤال بثلاثة أشياء الأول أن تعليقات ترامب خلال حملته الانتخابية كانت كثيرة التباهي وقليلة التفاصيل والثاني هو النطاق الواسع للخبرات ووجهات النظر المختلفة لفريقه في السياسة الخارجية والثالث هو أن أفعال الرئيس المنتخب كثيرا ما تكون أقل من أقواله وذلك وفقا لما ذكره موقع "مجلس العلاقات الخارجية" في تقرير له.
وأشار التقرير إلى أن الأحداث مثل انهيار نظام بشار الأسد في سوريا تضيف تعقيدا جديدا على تقييم ما سيفعله ترامب بشأن السياسة الخارجية، خاصة وأنه سيرث عالماً أكثر فوضوية في 2025 مقارنة ببداية ولايته الأولى في 2017.
وقد تدفع الضغوط المتزايدة على الاقتصاد الروسي موسكو إلى التفاوض بشأن أوكرانيا وقد تتبنى إيران نهجا دبلوماسيا وقد تقص الصين أجنحتها لأن رئيسها شي جين بينج "يعرف أنني مجنون"، كما قال ترامب وقد تكون كوريا الشمالية على استعداد للتحدث مع الرئبس المنتخب.
لكن الأحداث قد تكشف أيضًا عن التناقضات في تفكير ترامب حول السياسة الخارجية بالإضافة إلى الخلافات والقيود التي يفرضها فريق الأمن القومي الخاص به، فكيف سيستجيب ترامب إذا أحرزت روسيا تقدمًا كبيرًا في أوكرانيا، أو زادت الصين من ضغوطها على تايوان، أو بدأت سوريا تشبه ليبيا، أو أصبحت إيران نووية، أو اندلعت أزمة لا يناقشها أحد حاليًا؟
التصويت
هل سيتمكن الجمهوريون من إقرار تشريعات جديدة؟ في الواقع، سوف يكون عدد الجمهوريين في مجلس النواب 220 مقابل 215 من الديمقراطيين، لكن مع استقالة مات غيتز واقتراب مايك والتز وإليز ستيفانيك من ذلك، فإن المجلس سيعمل في البداية بفارق 217 إلى 215 لصالح الجمهوريين.
هذه النسبة تعني أن الجمهوريين قد يواجهون صعوبات في الأشهر القليلة المقبلة لتحريك التشريعات الرئيسية، وأنه إذا انشق عضو جمهوري واحد فقط، فإن كتلة ديمقراطية موحدة قد تمنع العمل على مشروع قانون.
ما يقوله ترامب
رغم أنه لم يدخل البيت الأبيض بعد إلا أنه يمارس نفوذه على الساحة العالمية، فهدد بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على كندا والمكسيك وتعريفات جمركية بنسبة 10% على الصين إذا لم تبذل الدول الثلاث المزيد من الجهود لوقف تدفق الفنتانيل والمهاجرين إلى الولايات المتحدة.
وقام رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بزيارة سريعة إلى مارالاغو للقاء ترامب الذي وصف الاجتماع بأنه "مثمر للغاية"، لكنه أثار قضية لم يكن ترودو مستعدًا لها، وهي أن تصبح كندا الولاية الأمريكية الـ51.
وقال المسؤولون الكنديون إنها مزحة لكن ترامب لم يتجاوزها، فوصف ترودو هذا الأسبوع، بأنه "حاكم" وكندا بأنها "ولاية عظيمة".
في المقابل، اتخذت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم نهجًا مختلفًا، فكتبت رسالة صريحة إلى ترامب توضح الخطوات التي اتخذتها المكسيك للحد من الهجرة للولايات المتحدة، وألقت باللوم في أزمة الفنتانيل على الطلب الأمريكي النهم على المخدرات، مشيرة إلى أن المكسيك يمكنها أيضًا ممارسة لعبة التعريفات الجمركية لاحقا، تحدث الرئيسان واتفقا على أنها مكالمة مثمرة لكنهما اختلفا حول ما ناقشاه.
تعهد ترامب -أيضا- بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على دول مجموعة البريكس إذا حاولت إنشاء عملة منافسة للدولار الأمريكي.
وقبل أيام، كان ترامب في باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لحضور إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام حيث التقى بماكرون والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لمناقشة سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا، ولم يتوصل الزعماء الثلاثة إلى أي اتفاق.
بعد الاجتماع، دعا ترامب عبر منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال" الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى التفاوض لإنهاء الحرب، ولم يعط بوتين أي إشارات على استعداده لإنهاء الحرب غير بشروطه، لكنه قد يرضخ بسبب الضغوط على الاقتصاد.
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط فقد أرسل ترامب إشارات متضاربة ففي بداية الشهر، كتب أن "الثمن سيكون باهظا" إذا لم يتم إطلاق سراح جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس لكنه لم يوضح ما سيفعله أو فيمن وبعد سقوط نظام الأسد، حذر من التدخل الأمريكي في شؤون سوريا ومع ذلك، فإن الاهتمام بما يحدث هناك مهم للولايات المتحدة نظرا للدعم الأمريكي لإسرائيل من بين مصالح أخرى.
ما تفعله إدارة بايدن
لقد أبقت منطقة الشرق الأوسط فريق الرئيس الأمريكي مشغولاً خلال أسابيعه الأخيرة في المنصب، فأشاد بايدن بسقوط الأسد ونفذت القوات الأمريكية عشرات الضربات ضد تنظيم داعش في شرق سوريا، فيما لا توجد خطط لسحب القوات الأمريكية من هناك.
لكن هذا قد يتغير عندما يتولى ترامب منصبه، فكان قد اقترح في 2018 إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، لكنه تراجع بسبب انتقادات الجمهوريين في الكونغرس.
ولقد طغت أخبار سوريا على نجاح إدارة بايدن في وقف إطلاق النار في لبنان وقد تقدمت إدارة بايدن بحزمة أسلحة بقيمة 680 مليون دولار لتجديد الإمدادات العسكرية لإسرائيل.
وبالنسبة لأوكرانيا، أعلنت وزارة الدفاع أنها ستزود أوكرانيا بمساعدات عسكرية إضافية بقيمة 725 مليون دولار وتحث إدارة بايدن الكونغرس على تقديم 24 مليار دولار كمساعدات أمنية إضافية، لكن هذا الجهد يبدو عبثيا؛ لأن رئيس مجلس النواب مايك جونسون إقال نه لن يعرض حزمة المساعدات على مجلس النواب للتصويت عليها، وحتى إذا غير رأيه، فإن تمرير التمويل الإضافي لن يقيد يدي ترامب بشأن أوكرانيا.
وحول الصين، أعلنت إدارة بايدن قيود جديدة على بيع رقائق أشباه الموصلات المتقدمة والتكنولوجيا إلى الصين لكنها قد تكون أقل إلزامًا مما تبدو.
تعيينات ترامب
كان ترامب مشغولاً بملء المناصب في فريقه للسياسة الخارجية والأمن القومي فعين أليكس وونغ نائبًا لمستشاره للأمن القومي والذي عمل نائبًا مساعدًا لوزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ ونائبًا للممثل الخاص لكوريا الشمالية خلال ولاية ترامب الأولى.
وهناك كريستوفر لاندو وهو مرشح لمنصب نائب وزير الخارجية وشغل منصب السفير الأمريكي في المكسيك من 2019 إلى 2021 وأشادت الرئيسة المكسيكية والعديد من الخبراء بترشيحه.
ولمنصب نائب وزير الدفاع، اختار ترامب ستيفن فاينبرج، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة الأسهم الخاصة سيربيروس كابيتال مانجمنت.
واختار ترامب جيمسون جرير، ليكون الممثل التجاري للولايات المتحدة وهو من قدامى المحاربين في القوات الجوية. وزعم أن واشنطن يجب أن تسعى إلى "الانفصال الاستراتيجي" عن الصين، وإلغاء وضعها التجاري الطبيعي الدائم، وسط تساؤلات حول النفوذ الذي قد يتمتع به.
وعين ترامب الفريق المتقاعد كيث كيلوج ليشغل منصب المبعوث الخاص لأوكرانيا وروسيا، وسبق أن شارك في ورقة سياسية زعمت أن واشنطن يجب أن تسعى إلى وقف إطلاق النار والتسوية التفاوضية للصراع مع الاستمرار في تسليح كييف التي يتعين عليها المشاركة في محادثات السلام، مع إقناع موسكو بالمشاركة عن طريق تأجيل عضوية أوكرانيا في الناتو.
كما عين ترامب اثنين من أصهاره لمناصب السياسة الخارجية فعين مسعد بولس، والد زوج ابنته تيفاني مستشارًا للبيت الأبيض للشؤون العربية والشرق الأوسط وعين تشارلز كوشنر، والد زوج ابنته إيفانكا سفيرا في فرنسا.
ما يكتبه الخبراء
كتبت جين ماير من مجلة نيويوركر ملفًا شخصيًا مطولًا وغير مبهج عن اختيار ترامب لمنصب وزير الدفاع، بيت هيجسيث بسبب الاتهامات التي تلاحقه بشأن الإفراط في الكحول والتحرش الجنسي وهو ما كررته شارون لافرانيير وجولي تيت من صحيفة "نيويورك تايمز".
وفي "بوليتيكو"، كتب مايكل هيرش أن ترامب سيكافح من أجل الحصول على صفقات بشأن الحرب في أوكرانيا والقتال في غزة حيث يواجه الرئيس المنتخب بيئة دولية أكثر قسوة مما كان عليه في البيت الأبيض قبل 4 سنوات.
واستكشف كيث جونسون من "فورين بوليسي" خطط ترامب للتعريفات الجمركية، وخلص إلى أنه لا أحد، حتى في عالم ترامب، يبدو أنه يعرف بالضبط سبب وجود التعريفات الجمركية على الطاولة.
وزعم إدوارد ألدين في المجلة نفسها أن ترامب يعتزم إدارة سياسته التجارية الخاصة بدلاً من تفويض المهمة لشخص آخر.
وتكهن ألكسندر جابوييف في مجلة "فورين أفيرز" أن ترامب قد "قد يسعى إلى الإضرار بالشراكة الصينية الروسية من خلال الحد من التوترات وحتى تحسين العلاقات مع موسكو من أجل الضغط على بكين وهو ما يشبه ما خطط له وزير الخارجية هنري كيسنجر قبل أكثر من 50 عامًا، عندما سعت الولايات المتحدة إلى تحقيق الوفاق مع الصين لاستغلال الانقسام الصيني السوفييتي" لكن جابوييف أعرب عن تشاؤمه بشأن نجاح هذه الحيلة.
وزعم جوليان زيليزر في "فورين بوليسي" أن سيطرة الجمهوريين على الكونغرس تعني أن ترامب قادر على إجراء تغييرات سياسية كبرى.
استطلاعات الرأي
وجد استطلاع أجرته شبكة "سي بي إس نيوز" أن 6 من كل 10 أمريكيين يوافقون على كيفية تعامل ترامب مع الانتقال، واعتبر 44% أن روبيو خيار جيد في حين حصل هيجسيث على موافقة 33% وحصلت تولسي جابارد على موافقة 36% كمديرة للمخابرات الوطنية.
في المقابل، وجد استطلاع أجرته وكالة «أسوشيتد برس» ومركز نورك، أن 55% من الأمريكيين واثقون قليلاً أو غير واثقين على الإطلاق في قدرة ترامب على تعيين أشخاص مؤهلين جيدًا في حكومته، كما أظهر الاستطلاع انقسامًا كبيرا حيث كان الجمهوريون واثقين من قدرة ترامب والديمقراطيون متشككين بشدة.
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة رونالد ريغان، ارتفاع نسبة الأمريكيين الذين يريدون رؤية الولايات المتحدة أكثر انخراطًا في العالم بنسبة 15% عن عام 2023 لتصل النسبة إلى 57% ورفض 6 من كل 10 أمريكيين تبني واشنطن لسياسة خارجية انعزالية.