حين يفقد الغرب بوصلته.. ارتباك يسبق العاصفة

لطالما كان «الغرب» مفهوماً يتجاوز الجغرافيا، إذ شكّل على مدى عقود منظومة قادت العالم نحو نظام قائم على القواعد. لكنّ هذا البناء يواجه لحظة اختبار غير مسبوقة، مع تقلب سياسات واشنطن.
فبينما يعيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تشكيل أولويات بلاده، من تحجيم الدعم لأوكرانيا إلى تفكيك هياكل التحالفات التقليدية، يواجه الحلفاء في أوروبا وأماكن أخرى أسئلة وجودية حول أمنهم ومستقبلهم في عالم بلا قيادة أمريكية واضحة.
ففي أروقة القرار الأوروبي، يتزايد القلق من أن واشنطن لم تعد شريكًا يمكن التعويل عليه، بل ربما تصبح عقبة أمام استقرار النظام الدولي الذي ساد لعقود. في المقابل، تتصاعد الدعوات لإعادة تسليح القارة، ليس فقط تحسبًا لمخاطر أمنية، بل تحضيرًا لمرحلة قد تكون أوروبا فيها مضطرة للوقوف بمفردها. لكن هل يمكن للغرب أن ينجو من أزمته بدون الولايات المتحدة؟ أم أن تفكك هذه المنظومة سيمهد لعالم تحكمه المصالح الضيقة؟
بحسب صحيفة «فورين بوليسي»، فإنه منذ زمن طويل، كانت الولايات المتحدة قائدة للعالم الغربي وللعالم كله فاعتادت أن كل ما تفعله سيكون قاعدة يتوجب على الآخرين، التكيف معه.
هل تصبح واشنطن عدوا؟
إلا أنه في حين يُكافح الأمريكيون للتأقلم مع التغيرات الجذرية في بلادهم قد تكون الأمور المختلفة في الخارج بداية من ردود الفعل الجريئة من كندا والمكسيك ومن دول أصغر مثل بنما وغرينلاند وصولا إلى استجابات حلفاء واشنطن حول العالم.
وفي 11 مارس/آذار، اجتمع أكثر من 30 قائدًا عسكريًا من بعض أكثر شركاء واشنطن ثباتًا واستمرارية، بمن فيهم أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، خلف أبواب مغلقة للبدء في التفكير في كيفية ضمان الأمن في عالم لم تعد الولايات المتحدة تقوده. وكشف هذا الاجتماع عن قلق العديد من الأوروبيين من أن واشنطن، قد تُصبح عدوًا.
وفي وسط هذه الصدمات العالمية، تكمن حسابات إدارة ترامب بأن الدعم المالي الذي قدمته واشنطن لأوكرانيا منذ بدء الحرب عام 2022 والضمانات الأمنية التي منحتها لأوروبا يساوي فقط 120 مليار دولار دفعتها الولايات المتحدة وهي «نظرة ضيقة جيوسياسيا».
عالم بلا قواعد
ومع ذلك، لا بد أن يُدرك الجميع، أن إجمالي إنفاق واشنطن في أوكرانيا يتضاءل بشكل كبير مقارنةً بالفوائد التي جنتها الولايات المتحدة وأوروبا والعالم من النظام الدولي القائم على القواعد بعد الحرب العالمية الثانية، فعلى من الرغم عدم كمال هذه المعايير إلا أن عالمًا قائمًا على القواعد أفضل بكثير من عالم تحكمه القوة الغاشمة والأهواء.
وستؤثر سياسات ترامب على أوروبا وعلى ما يُسمى بـ«الغرب» فبينما يكافح الأوروبيون للتكيف مع ميول الرئيس الأمريكي فإنهم يتصالحون مع ضرورة إعادة تسليح القارة، الأمر الذي سيكون له عواقب بعيدة المدى وقد يكون رد الفعل الأولي للديمقراطيات الليبرالية هو التضحية بمصالح أفقر وأضعف الفئات.
وفي ظل تصاعد المخاوف الأوروبية بشأن الأمن وبعد تفكيك ترامب للوكالة الأمريكية للتنمية ضمن خطته هو ومستشاره المقرب إيلون ماسك لخفض الإنفاق الفيدرالي، ضمن الرئيس الأمريكي أن يحذو حلفاء واشنطن في الغرب حذوه في التخلي عن دول أخرى حرصًا على الحفاظ على الذات.
وبالفعل، شرعت المملكة المتحدة في هذا الطريق، فرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أعلن في فبراير/شباط الماضي عن خطط لخفض المساعدات الخارجية، وذلك في نفس الوقت الذي سعى فيه لإقناع ترامب بالالتزام بإنفاق المزيد على الأمن في الداخل وفي أوروبا.
ومن المؤكد أن دولًا أخرى في العالم الغني ستحذو حذو ستارمر، ما يمثل أحد أخطر عواقب سياسات ترامب فبإعطاء الغرب الأولوية للأمن العسكري فإنه يعيش وهما قائماً على فكرة أن أوروبا قادرة على الازدهار خلف جدران عالية.
ومع تزايد تخلف فقراء العالم وتعرضهم للدمار بسبب النمو السكاني، وعدم القدرة على التصنيع أو إنتاج فرص العمل بالسرعة الكافية، وانتشار الأمراض فإنهم لن يصمدوا وهو الأمر الذي سيؤثر سلبا على العالم الغني بسبب صراعاتهم ثم هجرتهم.