هل يبدأ ترامب حصار الكرملين في دمشق؟
القصف الأمريكي للقاعدة السورية أذل الكبرياء الروسي المنتشي بالنصر في حلب
رغم الشهور القليلة التي قضاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المكتب البيضاوي، ما عاد أحد يشكك في قدرته على تحويل مواقفه المعلنة إلى أفعال على الأرض. وهو أمر تضعه عواصم العالم المعنية في تقديرها، بحسب مراقبين.
وبينما تراقب التحركات والتصريحات الأمريكية المتعلقة بالأزمة السورية، يظل السؤال يدور حول ثبات موقف ترامب حيال طبيعة التسوية المحتملة.
لا تشير اللحظة الراهنة إلى وجود هامش للمناورة؛ إذ أعلن البيت الأبيض، اليوم الثلاثاء، أن الرئيس الأمريكي توعّد بمحاسبة الرئيس السوري بشار الأسد لاستخدامه السلاح الكيماوي في خان شيخون، خلال اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتهنئته بنتيجة الاستفتاء على الدستور.
لكن وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، أضاء جانب من الإشكالية حينما كشف، الأحد الماضي، أن الغرب كان على "حافة الوصول إلى توافق قاتم" برعاية أمريكية، قبل الهجوم الكيماوي الذي شنه نظام بشار الأسد على قرية خان شيخون في 4 إبريل/نسيان الجاري.
وقال جونسون، في مقال نشرته صحيفة "صنداي تيلجراف"، إن التفكير كان يدور حول التركيز على الحرب على تنظيم داعش، والقبول على مضض بأن إزاحة الأسد يمكن أن تتأجل "لحين التوصل إلى حل سياسي مخطط".
وتغير موقف الإدارة الأمريكية عقب الهجوم الكيماوي على خان شيخون، وخلال ساعات كان غضب ترامب على هجوم الأسد الكيماوي قد ترجمه البنتاجون إلى عشرات الصواريخ، ردا قتل ما لا يقل عن 70 شخصا، في البلدة التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة.
بالنسبة لمراقبين وقيادات في المعارضة السورية، لا يبدو ترامب مستعدا للتراجع عن موقفه حيال الأسد بعد أن وفر له طوق نجاة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وقال المعارض السوري، فراس الخالدي، لـ"العين"، إن القصف الأمريكي قضى على أي احتمال لإثارة قضية علاقة نجاح ترامب بتدخل روسي مزعوم، كما وحد خلفه قادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وأعاد الاتزان لشعبيته الآخذة في التراجع.
المعارض السوري تيسير النجار يشير من جهته إلى ما عده إعادة التوازن في النظر للقضية السورية من منظور دولي، ويوضح أنه منذ بداية التدخل الروسي في سوريا بدا وكأن الولايات المتحدة الأمريكية سلمت مقاليد الأمر إلى الكرملين ليفعل ما يراه في صالحه، وهو أمر كرسه أيضا سقوط حلب، لكن كل ذلك تبخر مع الضربة الأمريكية التي أكدت الحضور الأمريكي على ساحة الشرق الأوسط مجددا.
ويلفت النجار إلى رغبة ترامب الأكيدة في حصار نظام الأسد لإسقاطه.. يقول: "يبدو أن زمن الإدارة الأمريكية الرخوة قد ولى.. ترامب أظهر بشكل واضح أن لم يعد بإمكان الروسي أن يظل مسترخيا في مقعده فيما يشهر الفيتو المرة تلو الأخرى في مجلس الأمن".
ويبدو صحيحا أن البيت الأبيض أصبح نافد الصبر حيال التعاطي الروسي مع الأزمة السورية، وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض إتش.آر ماكماستر، يوم الأحد الماضي، إن الوقت حان لإجراء محادثات حازمة مع روسيا بشأن دعمها للحكومة السورية وأعمالها "التخريبية" في أوروبا.
وأضاف ماكماستر، في محطة (إيه.بي.سي)، إن دعم روسيا لحكومة الرئيس بشار الأسد أدى إلى استمرار حرب أهلية، وتسبب في أزمة متفاقمة في العراق ودول مجاورة وأوروبا.
وخلص مستشار الأمن القومي الأمريكي إلى أن دعم روسيا لهذا النوع من النظام الرهيب الذي هو طرف في ذلك النوع من الصراع أمر لا بد أن يكون محل تساؤل، إضافة إلى الأعمال التخريبية لروسيا في أوروبا، ولذلك فإنني أعتقد أن الوقت حان الآن لإجراء تلك المباحثات الحازمة مع روسيا.
ونقلت وكالة رويترز على لسان مسؤولين وخبراء قولهم إن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس سيركز في أول زيارة له إلى مناطق من الشرق الأوسط وإفريقيا على الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية ويفصح عن سياسة ترامب تجاه سوريا.
ويبدأ الوزير الأمريكي، اليوم الثلاثاء، زيارة إلى المنطقة تشمل كلا من السعودية ومصر وقطر وإسرائيل، ومن المتوقع أن تناقش الزيارة الملف العالق في الأزمة السورية، وهو حسم مصير الأسد، الذي بات مؤشرا -بحسب معارضين سوريين تحدثت معهم "العين"- لموازين القوى عالميا.
وأشار المراقبون إلى أن القصف الأمريكي للقاعدة السورية أذل الكبرياء الروسي المنتشي بالنصر في حلب، كما أنه ترك العالم يستمتع برؤية القيصر الروسي عاجزا عن رد الصفعة الأمريكية بما أظهر محدودية خياراته.
وفي انتظار نتائج جولة المسؤول الأمريكي في الشرق الأوسط، يبدو أن طبيعة الصراع في سوريا قد أعادت أجواء الحرب الباردة؛ إذ تتأهب واشنطن على ما يبدو لحصار الكرملين في دمشق، وسط قلق من أن ينزلق الجميع باتجاه حرب عالمية جديدة.
aXA6IDMuMTQ0LjIuNSA= جزيرة ام اند امز