أوروبا وترامب.. السيناريو الذي تخشاه القارة العجوز
هل تخيلت كيف سيكون رد فعل القادة الأوروبيين على سيناريو فوز ترامب بالرئاسة وإجباره أوكرانيا على الاستسلام؟
سيناريو كان أغلب زعماء أوروبا يأملون ألا يرونه أبدا. لكنه بات أقرب من أي وقت مع بدء العد التنازلي للانتخابات الأمريكية التي يتنافس فيها المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
فترامب الذي ظل يكيل انتقادات لدعم كييف عسكريا وماديا، وكذلك للناتو، كان قد أعلن أنه سيجبر أوكرانيا على إبرام اتفاق سلام مع روسيا والتنازل عن أراضي الكرملين.
وبالعودة إلى الإجابة على السؤال الذي أثارته صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، في تقرير لها طالعته "العين الإخبارية"، فقد ينقسم القادة الأوروبيون بين من يريد دفع التكتل لدعم كييف بكل ما تحتاجه لملء الفراغ الذي يخلفه التراجع الأمريكي بعهد ترامب، وفريق آخر بقيادة الزعيم المجري فيكتور أوربان، يرى ضرورة الإبحار مع سفينة الرئيس الجديد.
إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ليست أمرًا مؤكدًا، ولكن هذا الاحتمال يجبر قادة أوروبا على التفكير في سيناريو العودة، والتعامل مع الأسئلة التي تنطوي عليها.
ومع ارتفاع وتيرة دورة الانتخابات الأمريكية، أصبح المسؤولون في جميع أنحاء القارة أكثر صراحةً بشأن الآثار المترتبة على رئاسة ترامب الثانية.
فعودة نجم تلفزيون الواقع السابق إلى السلطة لن تكون أكبر اختبار في العلاقات عبر الأطلسي في تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية فحسب، بل قد تشكل خطراً وجودياً على الوحدة الأوروبية، حيث إن التوترات حول كيفية العمل مع ترامب ستؤدي إلى تفريق القارة في قضايا السياسة التجارية ومكافحة تغير المناخ والدفاع عن الأراضي الأوروبية، وفق بوليتيكو.
وقال أحد كبار الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، للصحيفة ”الناس في بروكسل يستعدون بالفعل لما يمكن أن يحدث“.
ضغوط متزامنة
قبل سنوات، نجت أوروبا من رئاسة ترامب الأولى، ولكن هناك كل الدلائل على أن الأمور ستكون أصعب هذه المرة، إذ تزيد حربان قريبتان وأزمة طاقة الضغوط على القارة.
فضلا عن وجود تخوف رئيسي يتمثل في أن عودة ترامب للسلطة بعد مجموعة من الملاحقات القضائية المدنية والجنائية، لن تجعله مجبرا على التخفيف من اندفاعاته السياسية أو إحاطة نفسه بمسؤولين يحثون على الاعتدال.
والأهم من ذلك، أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ستعزز التحول في السياسة الخارجية الأمريكية كحقيقة لم يعد من الممكن تجاهلها، على حد قول بوليتيكو.
هذا السيناريو يتطلب من أوروبا، والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، القيام بشيء أثبت تاريخيًا أنه غير مؤهل للقيام به: اتخاذ قرار بشأن رد مشترك على سياسة ترامب والالتزام به.
في المقابل، فإن فشل التكتل في تبني مواقف مشتركة في قضايا التماس مع السياسة الأمريكية، قد يؤدي إلى تمزيق الكتلة الأوروبية.
هنا، يقول نيكولاي فون أوندارزا، الخبير في سياسة الاتحاد الأوروبي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، وهو مركز أبحاث في السياسة الخارجية يقدم المشورة للحكومة الألمانية: ”لا توجد قاعدة تلقائية بأن أزمة عودة ترامب ستؤدي إلى التكامل الأوروبي“.
وأضاف ”هناك عقبات كبيرة يجب التغلب عليها لتحويل رئاسة ترامب الثانية إلى لحظة وحدة أوروبية“.
خطة ترامب
فيما قال شخصان على دراية بتفكير الرئيس الأمريكي السابق، إن خطة ترامب لأوكرانيا تتشكل بالفعل؛ حيث سيضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للتنازل عن شبه جزيرة القرم وأجزاء من دونباس لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإنهاء الحرب، وهي خطة كانت صحيفة واشنطن بوست أول من تحدث عنها.
الأقل وضوحًا هو نوايا ترامب تجاه الناتو؛ الحلف الذي يضمن الأمن الأوروبي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ قال الشخصان المطلعان على تفكير ترامب، إنه "وضع نصب عينيه تقليل المشاركة الأمريكية، ربما من خلال رفض حضور القمم أو جعل الجيش الأمريكي ينسحب من التدريبات المشتركة".
وبالفعل، دفعت المخاوف بشأن ما قد يفعله ترامب في الحلف، الكونغرس الأمريكي إلى كتابة شرط موافقة المشرعين على أي انسحاب أمريكي رسمي من التحالف العسكري.
ووفق بولتيكو، لن يحتاج ترامب إلى الانسحاب من التحالف لتقويضه. ففي فبراير/شباط الماضي، شكك في التزام واشنطن ببند الدفاع المتبادل في المادة الخامسة من حلف "الناتو"، معلناً أنه ”سيشجع“ روسيا على مهاجمة أعضاء الناتو الذين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع.
وعلى أية حال، فإن المادة 5 لا تستلزم دعمًا عسكريًا، بل تتطلب فقط من عضو الناتو ”اتخاذ الإجراءات التي يراها ضرورية لمساعدة الحليف الذي تعرض للهجوم“.
سابقة روسيا
في المقابل، فإن صعوبة تخيل مشهد صياغة الاتحاد الأوروبي لرد مشترك على رئاسة ترامب، تجد جذورها في فشل التكتل في صياغة رد فعل مشترك على هجوم بوتين على أوكرانيا.
فمع تقدم القوات الروسية باتجاه الغرب، اصطف ساسة الاتحاد الأوروبي للمطالبة بإعادة التفكير بشكل عاجل في الأمن الأوروبي.
وبينما أحرز الاتحاد الأوروبي بعض التقدم، حيث وافق على تجميع الأموال لشراء الأسلحة لأوكرانيا وزيادة تصنيع الأسلحة، إلا أن التنفيذ الفعلي لهذه السياسات كان بطيئًا بسبب الفشل في الدفع، والخلافات حول كيفية جمع الأموال، والمشاحنات حول أوجه إنفاقها.
وأثارت خطة اقتراض مشتركة لزيادة الإنفاق العسكري، مدعومة من إستونيا وفرنسا، معارضة شديدة في عواصم أخرى، وخاصة برلين، ما قد يدفع التكتل للتفكير في بدائل أخرى.
وقال أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي: ”هناك إجماع على أننا بحاجة إلى المزيد من الاستثمارات، والنقاش الآن هو: كيف سنجد المال؟".
لكن بوليتيكو ذكرت أن " الأمور تتقدم ببطء شديد لدرجة أن البعض يعتقد أن الأمر سيتطلب صدمة كبيرة لكسر الجمود"، ما يثير شكوكا حول قدرة القارة على تطوير رد مشترك في حال عودة ترامب للرئاسة.
الردع النووي
وعندما يتعلق الأمر بالردع النووي، تعتمد معظم أوروبا على المظلة الأمريكية، وتمتلك بريطانيا وفرنسا فقط رؤوساً حربية خاصة بهما.
ولدى بريطانيا حوالي 200 رأس حربي، تساهم بها جزئياً في مظلة الناتو، فيما تمتلك فرنسا حوالي 300 رأس، لكنها ملتزمة بالدفاع الوطني فقط.
وفي هذا الإطار، عرضت باريس في السنوات الأخيرة مناقشة دور رادعها النووي في سياق أوروبي، لكن ألمانيا لم تقبل هذا العرض حتى الآن.
ورأى فون أوندارزا، الخبير في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أن النظام الفرنسي أو البريطاني لن يشكل رادعاً موثوقاً إذا ما غاب الردع النووي الأمريكي في ظل رئاسة محتملة لترامب.
وبالفعل، تثير المخاوف من ترك أوروبا مكشوفة نوويا، نقاشات حول ما إذا كان ينبغي على الدول إعادة تسليح نفسها، مما قد يعجل بسباق تسلح عالمي.
في ألمانيا، قال وزير خارجية الخضر الألماني السابق يوشكا فيشر إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى أسلحة نووية خاصة به، كما ارتفعت أصوات في بولندا تدعو إلى امتلاك ترسانة نووية محلية.