«معرض ترامب».. كيف تحولت «غرفة الدراسة» بالبيت الأبيض؟
في قلب الجناح الغربي للبيت الأبيض، وتحديدًا خلف المكتب البيضاوي الشهير، تقع غرفة صغيرة لطالما عُرفت باسم “غرفة الدراسة”.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فقد كانت هذه الغرفة مساحة جانبية يؤدي فيها الرؤساء أعمالًا يومية بعيدة عن الأضواء، وتحتضن لحظات حاسمة جمعت بين القلم والهاتف وأوراق الدولة.
ففي أرشيف البيت الأبيض، يظهر الرئيس الأسبق رونالد ريغان وهو يخط بخط يده مسودة خطاب تنصيبه عام 1985، بينما يبدو خلفه الرئيس جورج بوش الأب في عام 1989 منشغلاً بمكالمة هاتفية حول تفاصيل الغزو الأمريكي لبنما.

لكن هذه الغرفة تغيّرت في عهد الرئيس دونالد ترامب. فبدل أن تكون مساحة للعمل، تحوّلت إلى ما يشبه غرفة عرض شخصية أو متجر هدايا مُصغّر مكرّس بالكامل لعرض رموز مرتبطة بترامب نفسه.
غرفة دراسة… بلا دراسة
على عكس سابقيه، لا يستخدم الرئيس ترامب الغرفة للعمل أو اتخاذ القرارات، بل بالكاد يجلس فيها. فوظيفتها باتت واحدة: استضافة الضيوف — خاصة القادة الأجانب — واستعراض مجموعة من المنتجات والشعارات التي تجسّد صورته السياسية والشخصية.

وتضم الغرفة خزانتي كتب كبيرتين باللون الأبيض، امتلأتا على مدى العام الماضي بعشرات القطع التي تحمل توقيع الرئيس وشعارات حملته.
فبين الزجاجات الموقعة والصواني الذهبية، تتراص أنواع متعددة من القبعات، بعضها يحمل رسائل سياسية لافتة، منها: "ترامب 2028" و"ترامب كان مُحقًا في كل شيء!" و"4 سنوات أخرى!" و"خليج أمريكا" و"لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا"
ويُلاحظ أن عددًا من هذه القبعات يشير ضمنًا إلى ولاية ثالثة رغم أن الدستور الأمريكي يمنع ذلك تمامًا - وهي إشارات رمزية تُعد جزءًا من السردية الجريئة التي تحيط بترامب منذ عودته للبيت الأبيض.
ساحة عرض للعلامة التجارية "ترامب"
يتعامل ترامب مع الغرفة كامتداد لعلامته السياسية والشخصية، فإلى جانب القبعات، تملأ الرفوف علب كبريت، ودبابيس، وزجاجات مياه، جميعها تحمل توقيعه أسفل الختم الرئاسي؛ بالإضافة إلى منتجات من خط العطور “Victory 45–47”، وهو اسم يستحضر رقم رئاسته في الفترة الأولى 45، ورقم ولايته الحالية 47"، وكتبًا ألّفها ترامب أو تتناول مسيرته السياسية.

ويقول مسؤول في البيت الأبيض إن ترامب - الذي يعتمد المكتب البيضاوي كمقر عمله الرئيسي - أراد تحويل هذه الغرفة قليلة الاستخدام إلى قاعة هدايا رمزية، تتبدل محتوياتها تبعًا لرغباته وما يريد عرضه لضيوفه.
من كينيدي إلى ترامب.. تغير في الرموز
واحدة من أبرز علامات التحول الرمزي في الغرفة هو استبدال لوحة الرئيس جون كينيدي - التي كانت مرتبطة بروح القيادة الأمريكية الكلاسيكية - بملصق جديد يُظهر ترامب رافعًا قبضته بعد محاولة اغتياله في باتلر بولاية بنسلفانيا في العام الماضي.
وإلى جانب هذه الصورة المثيرة، عُلّق إطار يحوي أوراق عملة من فئة الدولار، في إشارة مباشرة إلى العلاقة التي لطالما ربطها ترامب بين القيادة والاقتصاد والقوة المالية.

اللافت أيضًا أن الغرفة خالية من أي مكتب، رغم أنها تُسمّى “غرفة الدراسة”. فالمكان أصبح في عهد ترامب مسرحا لاستعراض للهوية السياسية أكثر منه مساحة للعمل.
غرفة تحمل بصمة عهد كامل
يعكس هذا التغيير الشكلي - والمحمّل بالرموز - جوهر نهج ترامب في الحكم، من قيادة ترتكز على الشخصية الفردية، والرسالة المباشرة للجمهور، إلى التسويق السياسي المستمر.

فالغرفة الصغيرة، التي كانت ذات يوم مساحة خلفية لا يلتفت إليها كثيرون، باتت في عهد ترامب بمثابة مسرح سياسي مصغّر، يُظهر كيف يستخدم الرئيس الفضاء المادي في البيت الأبيض لتعزيز صورته، وصياغة روايته الخاصة عن السلطة والشرعية والدور التاريخي الذي يرى نفسه جزءًا منه.
وبينما قد تبدو الغرفة تافهة في نظر البعض، إلا أنها - بمحتوياتها ورسائلها - تقدّم قراءة واضحة لأسلوب حكم ترامب، وللطريقة التي يُوظّف بها الرموز والصور والشعارات لصناعة حضور سياسي لا ينقطع حتى في أكثر زوايا البيت الأبيض هدوءًا.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE4IA== جزيرة ام اند امز