«إنهاء الحروب».. اختبار ترامب «الصعب» بين أوكرانيا وغزة

بعد شهرين من عودته للبيت الأبيض، يكتشف دونالد ترامب أن تعهداته الانتخابية بإنهاء الحروب لا يمكن أن تحقق مكاسب سريعة.
ففي الوقت الذي اتخذ فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطوة بشأن خطته للسلام في أوكرانيا، انهار وقف إطلاق النار في غزة الذي كان يُنسب إليه شخصيا الفضل في تحقيقه حيث شنت إسرائيل هجومًا جديدًا أسفر عن مقتل مئات المدنيين.
وبعد ساعات من عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحرب الشاملة، أجرى ترامب اتصالا هاتفيا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما سلط الضوء على اختلاف الأولويات بين واشنطن وتل أبيب وموسكو.
ويبدو أن هذا المناخ الجيوسياسي غير الواعد يقف في طريق حلم ترامب لتحقيقه إرثا كصانع سلام عالمي، والذي تعهد بتحقيقه فور عودته إلى المكتب البيضاوي وذلك وفقا لما ذكرته شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية.
وعززت محادثات ترامب مع بوتين مخاوف أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين من أن الرئيس الأمريكي يرى الحرب مجرد عرضٍ جانبيٍّ في مسعاه الأوسع للتقارب مع موسكو، وهو ما يدفعه إلى رؤية الصراع من منظور روسي.
وفي الوقت نفسه، يُنهي قبول واشنطن عودة نتنياهو لقصف غزة جهود مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، لتأمين إطلاق سراح الرهائن والتوصل إلى مرحلة ثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.
لكن الغارات الأمريكية على الحوثيين في اليمن تُشير إلى تركيز ترامب الآن على هدف آخر، وهو زيادة الضغط على إيران لإجبارها على إجراء محادثات بشأن برنامجها النووي، أو لإضعاف وكلائها الإقليميين قبل ضربة إسرائيلية أو أمريكية محتملة.
بعد عودته إلى السلطة، انتقد ترامب حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، ودعا إلى ضم كندا وغرينلاند وبنما، لكن السؤال الأهم في سياسته الخارجية هو متى، أو ما إذا كان سيرغب في ممارسة الضغط على بوتين أو نتنياهو.
كان البيت الأبيض متفائلًا بشأن مكالمة ترامب مع بوتين، لكن النتيجة الرئيسية كانت معارضة روسيا لفكرة أمريكية لوقف إطلاق نار فوري رغم تأكيد موافقة الروس على وقف الهجمات على أهداف الطاقة والبنية التحتية الأوكرانية، إلا أنه لا يوجد عائق أمام استمرار موسكو في قصف أهداف أخرى.
مع ذلك، تُصر الإدارة الأمريكية على أن هذه النتيجة ليست سوى الخطوة الأولى، وأن المحادثات ستُجرى في السعودية للتوصل إلى وقف إطلاق نار بحري في البحر الأسود، ووقف إطلاق نار كامل، وسلام دائم.
وقال ترامب: "الخطوة التالية ستكون وقف إطلاق نار كامل، وعقد اتفاق,. أعتقد أن الأمور ستسير بسرعة كبيرة".
لكن تهنئة ترامب لنفسه قد تكون محاولةً سياسيةً لإخفاء فشل مساعيه لوقف إطلاق النار الكامل ومحاولة للحفاظ على الصورة الذهنية الهشة بأنه صانع صفقاتٍ لا مثيل له، ويحقق بالفعل انتصاراتٍ ضخمة في السياسة الخارجية حيث تبدو مصداقيته الشخصية على المحك.
ولا يمكن لأيّ قدرٍ من الدعاية أن يُخفي رفض بوتين الانضمام إلى الخطة الأمريكية لوقف إطلاق نار شامل لمدة 30 يومًا، فبدلًا من ذلك، طرح الرئيس الروسي مجموعةً جديدةً من الشروط يستحيل على أوكرانيا الموافقة عليها، وستُؤجّج المخاوف الأوروبية من أن السلام بشروط الكرملين سيُمهّد الطريق لحربٍ مستقبلية.
وقال ويليام براودر، رئيس حملة ماجنيتسكي العالمية للعدالة: "ببساطة، رفض بوتين الاقتراح المطروح" أما رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون فكتب على منصة إكس: "يا لها من مفاجأة! بوتين يرفض وقف إطلاق نار غير مشروط. إنه يريد الاستمرار في قصف وقتل الأوكرانيين الأبرياء.. يريد نزع سلاح أوكرانيا. يريد تحييدها.. يريد جعلها دولة تابعة لروسيا.. إنه لا يتفاوض.. إنه يسخر منا".
وتعكس موافقة بوتين على وقف الهجمات على البنية التحتية للطاقة رغبته في تجنب عزل ترامب، وتبدو كتنازل. وقالت بيث سانر، مسؤولة استخبارات أمريكية رفيعة سابقة: "هذه شروط الكرملين؛ وليست شروطًا أمريكية".
وقدّم الكرملين والبيت الأبيض بعض الدلائل على الأهداف الأعمق لانخراطهما في أوكرانيا. وأشار كلاهما إلى أن الزعيمين ناقشا قضايا عالمية أوسع نطاقًا مثل الانتشار النووي، ورسما رؤية لعلاقة جديدة تتميز بصفقات اقتصادية يمكن أن يستفيدا منها.
وقال بيان البيت الأبيض، إن الزعيمين "اتفقا على أن إيران لا ينبغي أبدًا أن تكون في وضع يسمح لها بتدمير إسرائيل" وهو تلميح له دلالة محتملة فقد يكون أحد أهداف تقارب البلدين هو إبعاد روسيا عن علاقاتها الوثيقة مع طهران.
وبالمثل، يُظهر انهيار وقف إطلاق النار في غزة القيود التي واجهتها إدارة ترامب لتحويل اختراقات السلام الأولية إلى تفاقات أكثر ديمومة.
واعتقد العديد من المراقبين الأمريكيين دائما أن نتنياهو لم يرغب قط في تجاوز المرحلة الأولى من الاتفاق. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه شن هجمات جديدة لأن حماس رفضت إطلاق سراح الرهائن المتبقين أو قبول اقتراح أمريكي بتمديد وقف إطلاق النار، لكن حماس أصرت على أنها لم ترفض الاقتراح الأمريكي وأنها تريد إطالة أمد وقف القتال.
وحقق نتنياهو مكاسب فورية مع إعادة إشعال الحرب مثل عودة اليميني المتطرف إيتمار بن غفير للحكومة مع حزبه "القوة اليهودية"، وهو ما عزز الموقف السياسي لرئيس الوزراء قبل سلسلة من مفاوضات الميزانية الصعبة التي قد تهدد بقاء حكومته.
كما أن العودة للحرب تعني تأجيل محاكمة نتنياهو بتهمة الفساد مؤقتًا، ويعتقد العديد من منتقديه أنه أطال أمد الحرب في غزة عمدًا لتجنّب المحاكمة التي قد تودي به في السجن.
وقد يكون بوتين ونتنياهو في حاجة إلى إبقاء الحرب مستعرة، لكن ترامب لديه دوافعه السياسية لإسكات البنادق، ومع ذلك سيواجه الرئيس الأمريكي عاجلًا أم آجلًا خيارات سياسية صعبة لطالما أرجأها.
aXA6IDE4LjIxOS42Ni4zMiA= جزيرة ام اند امز