في كل الأحوال الواردة فإن إجراءات عزل الرئيس قد تواجه صعوبات وإشكاليات واحتمال عدم اكتمال الإجراءات السياسية والقانونية وتعثر مراحلها.
دخل ملف عزل الرئيس الأمريكي ترامب مرحلة جدية تنذر بانفتاح الملف على سيناريوهات متعددة، أهمها وأخطرها العزل، أو الأقل التشويش على الحملة الانتخابية التي ستبدأ رسميا بعد عدة أسابيع، بصرف النظر عن ثبات واستقرار القاعدة الانتخابية للرئيس ترامب، والتي تتماسك أطرافها حتى الآن، وتبقي على شعبية الرئيس وسط شرائح محددة في الخريطة الانتخابية الحالية، وصحيح أن الرئيس ترامب نجح في تجاوز أزمة التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، إلا أن الأمر مختلف هذه المرة؛ لأنه يتعلق بالعمل مع دولة أجنبية، والتأثير في مسارات الحملة الانتخابية التي لم تبدأ رسميا بعد، وإن كانت ستحكم بضوابط ومعايير جديدة يتخوف من تداعياتها الجمهوريون والديمقراطيون معا.
إن عزل الرئيس ترامب أو استمراره يدفعنا لبلورة مواقف عربية موحدة تجاه التعامل مع هذه الإدارة، ونقل رسالة عربية موحدة بالقضايا العربية ذات الأولوية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وأمن الإقليم، وتهديدات دول الجوار، خاصة التدخلات الإيرانية والتركية والإسرائيلية في الدول العربيةالمؤكد أن سعي الديمقراطيين في الكونجرس للبدء في إجراءات عزل الرئيس مهمة ومتسقة ما مع يجري؛ حيث إن العملية التشريعية داخل مجلسي الكونجرس والشيوخ معقدة، ولا تتوقف فقط عند النصوص المقررة وشروطها في الإقدام على خطوة عزل الرئيس؛ حيث ستستبق الضوابط السياسية أي ضوابط قانونية، وتتعلق بالأمن القومي الأمريكي في التعامل مع رئيس لم يراعِ القانون الفيدرالي، وهو ما جرى من قبل في تحقيقات شملت كلا من ريتشارد نيكسون، وبيل كلينتون، وأندرو جونسون، وهي الحالات التي يمكن الارتكان إليها في إجراءات مشابهة بصرف النظر عن خصوصية كل حالة، ومدى تعجيل مجلس النواب بالتصويت على لائحة الاتهامات بالإدانة، وفي حال تدخل لجنتي القضاء والاستخبارات بمجلس النواب لطلب جلسة استماع حول الملف، وفي ظل مماطلات يقوم بها البيت الأبيض لتأجيل هذا الأمر، خاصة أن الرئيس ترامب تعمّد وبذكاء سياسي إذاعة نص المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس ترامب والرئيس الأوكراني؛ للتدليل على أنه لم يحدث اختراق أو تواطؤ من أي نوع، وأن الأمر يتعلق بالتربص بالرئيس من داخل الكونجرس فقط، ونجح الرئيس وفريق معاونيه في الضغط على رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في تغيير موقفها الرافض داخل مجلس النواب للإعلان عن تأجيل الخطوة بعض الوقت.
وفي ظل خيارات جديدة يرتب لها الجمهوريون للحفاظ على الرئيس ترامب، وتأهب للمعركة الانتخابية المقبلة التي ستحكمها ضوابط مختلفة، خاصة أن حالة التجاذب داخل الأوساط الأمريكية ستستمر، ولن تتوقف مع دخول الصحافة بقوة على الخط والعمل على تصدير أزمة للرئيس ما زالت أصداؤها قائمة بصرف النظر عن عدم بدء التحقيقات رسميا من داخل الكونجرس، والتي تبدأ على مرحلتين؛ الأولى من داخل لجنة القضاء بالتزامن مع لجنة خاصة بالاستجوابات وبالتشارك مع أربع لجان أخرى وعقب إجراء التحقيق يتم التصويت على إدانة الرئيس، وتتطلب أغلبية بسيطة من أعضاء مجلس النواب، ويلي ذلك التوجه إلى مجلس الشيوخ، والذي يقوم فعليا بإجراء محاكمة رسميا للرئيس تحت إشراف رئيس قضاة المحكمة الدستورية العليا، ويجب أن يوافق ثلثا الأعضاء على صحة ما تم التوجيه بالاتهامات للرئيس ترامب.
وفي كل الأحوال الواردة فإن إجراءات عزل الرئيس قد تواجه صعوبات وإشكاليات واحتمال عدم اكتمال الإجراءات السياسية والقانونية، وتعثر مراحلها أو فشل لائحة الاتهام للرئيس من داخل الكونجرس ذاته، نتيجة تحركات الجمهوريين، أو عدم اكتمال التصويت لإشكاليات قانونية، ومن المحتمل أيضا أن يقدم الكونجرس على خطوة إيقاف لائحة الاتهامات لأمور متعلقة بالأمن القومي الأمريكي، بصرف النظر عن إشكالية الأغلبية والأقلية، وفي ظل سيطرة الجمهوريين على عمل المجلس.
وإلى حين إجراء المرحلة التمهيدية للانتخابات الرئاسية المقرر أن تجرى في نوفمبر المقبل سيكون السؤال المطروح: وماذا عن المدى المنظور في إطار تعاملنا كدول عربية مع هذه الإدارة الأمريكية التي كانت من أسوأ الإدارات الأمريكية في حال استمرارها، خاصة أنها منحت إسرائيل القدس كعاصمة موحدة، ونقلت سفارتها إلى المدينة التاريخية، وأيدت الإجراءات الانفرادية بالنسبة لملفي الاستيطان وحق العودة، واستهداف الوكالة الدولية الأونروا، والمماطلة في التعامل مع التهديدات الإيرانية للإقليم بأكمله، كسبا للحسابات السياسية والاستراتيجية؟
إن عزل الرئيس ترامب أو استمراره يدفعنا لبلورة مواقف عربية موحدة تجاه التعامل مع هذه الإدارة، ونقل رسالة عربية موحدة بالقضايا العربية ذات الأولوية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وأمن الإقليم، وتهديدات دول الجوار، خاصة التدخلات الإيرانية والتركية والإسرائيلية في الدول العربية، مع العمل على تصويب مسار العلاقات العربية الأمريكية لما فيه مصلحة الدول العربية، بصرف النظر عن بقاء أو رحيل هذا الرئيس الأمريكي من موقعه الرئاسي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة
