إمكانية التفاهم الأمريكي الروسي في سوريا تتطلب التفاهمات السريعة والصريحة حول قضايا سياسية وأمنية كثيرة.
تتجه الأنظار نحو اللقاء المرتقب في العاصمة الفنلندية هلسنكي في 16 يوليو/تموز الحالي، بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب.
هو أول اجتماع لهما، بعيدا عن المؤتمرات والقمم الدولية، واللقاء الموعود الذي راهن عليه الرجلان منذ أشهر. من المحتمل ألا يقود اللقاء إلى أي نتائج، لأنه يأتي وسط مناخ يوصف بأنه الأصعب في مسار العلاقات الأمريكية الروسية، إلا أن البعض يقول إن مجرد اللقاء هو إنجاز إيجابي لكسر حاجز الجليد بينهما.
هل يتمكن ترامب من توقيع اتفاق مع بوتين ينهي النفوذ الإيراني في الجنوب مقابل اقتراحات أمريكية على موسكو أن تقيد واشنطن حركة التحرك التركي في سوريا مثلا؟
في العلن هناك مَن يراهن على وقوع المفاجأة بعد اللقاء، التي تعكس وجود رغبة لدى ترامب وبوتين في إحداث قفزة نوعية تكون مقدمة لآلية عمل قيادي مشترك يمهد لتطوير العلاقات الثنائية ومناقشة القضايا الإقليمية والدولية، لكن هناك كثرة تقول إن لقاء مختصرا دون تمهيد حقيقي لن يتجاوز أن يكون مجرد لقاء مجاملة لا أكثر.
ستكون الأزمة السورية أحد أبرز ملفات النقاش بدون أدنى شك، ونتائج لقاء ترامب وبوتين سيكون لها تأثيرها الكبير على مسار علاقات البلدين مع أنقرة وطهران، فهل سيكون بمقدور موسكو أن تترك أنقرة وطهران وحدهما أو في مواجهة العواصم الإقليمية والغربية في سوريا إذا ما حصلت على ما تريده من واشنطن هناك؟ وهل تقدمت موسكو بأي تعهدات أو وعود لإسرائيل وواشنطن في الملف السوري حول ضبط الإيقاع التركي والإيراني هناك أيضا؟ وهل تريد واشنطن تعويض الفراغ الاستراتيجي الإقليمي الذي ستعاني منه مع العديد من العواصم الأوروبية، وتركيا تحديدا، بسبب الملف النووي عبر الانفتاح والتقارب مع موسكو هذه المرة؟ وهل معادلة أن إيران تحمي النظام في سوريا وتركيا تحمي قوى المعارضة وأن الحل بالنسبة لموسكو وواشنطن لا يمكن سوى أن يمر عبر تقريب وجهات النظر بين النظام وقوى المعارضة في سوريا قد تعتمد أمريكيا وروسيا هذه المرة؟
ما معنى أن يتزايد عدد اللقاءات شبه اليومية بين ممثلي النظام السوري وقيادات وحدات سوريا الديمقراطية والحديث مجددا عن استعداد هذه القوات للانسحاب من بعض الأماكن لصالح دخول الجيش السوري النظامي وعدم دخول قوات المعارضة المدعومة تركيا؟ هل يتحول اللقاء مثلا إلى صفقة أمريكية روسية في سوريا على حساب النفوذ التركي والإيراني؟
إمكانية التفاهم الأمريكي الروسي في سوريا تتطلب التفاهمات السريعة والصريحة حول قضايا سياسية وأمنية كثيرة هناك، في مقدمتها دون شك موضوع خفض التوتر وخارطة طريق شرق سوريا، وبلورة طروحاتهما النهائية في المستقبل السياسي والدستوري للبلاد.
موسكو مثلا تريد أن تعرف بوضوح ما الذي تخطط له واشنطن بشأن الملف الكردي في سوريا وتحديدا مصير حلفائها، منهم الذين ينتظرون تفاصيل الموقف الأمريكي حول منبج.
وواشنطن أيضا تريد أن تعرف الرد الروسي النهائي على اقتراحها بشأن إقامة إدارة ذاتية للأكراد تشبه نموذج شمال العراق، دون الإخلال بهيكل الدولة المركزية السورية التي ستكون في إطار نظام فيدرالي جديد .
منطقة الجزيرة شرقي الفرات تشكل ربع مساحة سوريا، وهي تضم حقول النفط والغاز والأراضي الزراعية الأهم في سوريا والنظام يريد استردادها من قوات سوريا الديمقراطية، فهل يتم التفاهم الأمريكي الروسي حول ذلك خصوصا بعد الغزل المتزايد بين النظام السوري والوحدات الكردية؟
بين النقاط العالقة أمريكيا وروسيا أيضا التطورات في جنوب سوريا، حيث تظهر الرغبة الأمريكية في تعديل الاتفاقيات المتعلقة بالمنطقة، وذلك في إطار موافقةٍ إسرائيلية على وجود قوات النظام على الحدود، مقابل إبعاد إيران ومليشياتها، فهل يتمكن ترامب من توقيع اتفاق مع بوتين ينهي النفوذ الإيراني في الجنوب مقابل اقتراحات أمريكية على موسكو أن تقيد واشنطن حركة التحرك التركي في سوريا مثلا؟ الدافع لتفاهم من هذا النوع هو وضع موسكو الصعب في سوريا لناحية علقتها بالمعارضة المحسوبة على أنقرة وحاجة واشنطن للخروج من المربع الكردي والانطلاق نحو استراتيجيات سياسية وأمنية أوسع في سوريا.
بين قضايا النقاش الأمريكي الروسي كذلك مسألة طلب ترامب إخراج إيران من سوريا أو إضعاف وجودها ونفوذها بأسرع ما يكون. اقتراح الرئيس الأمريكي على نظيره الروسي هنا قد يكون التخلي الروسي عن طهران وضرب التحالف القائم بين إيران والنظام السوري مقابل تعهد أمريكي بإطلاق يد موسكو أكثر في الملف السوري ومحاصرة الرغبات التركية المتزايدة في الشمال، مقابل اعتراف ترامب ببقاء القوات الروسية في المنطقة مع احتمال القبول ببقاء بشار الأسد رئيسا في إطار مرحلة انتقالية طويلة الأمد في سوريا. هناك من يقول إن القمة قد تنتهي بالتفاهم حول تحجيم دور إيران في سوريا مقابل السماح لروسيا بالحصول على الكثير مما تريده في الملف.
هناك قلق متزايد في أنقرة وطهران من احتمال أن تتم التفاهمات الأمريكية الروسية في قمة هلسنكي على حساب مصالحهما ونفوذهما الإقليمي.
فهل ستكون خطة الرد التركية عبر المصالحة السريعة مع واشنطن وإنهاء تصلبها في الكثير من المسائل للخروج من أزمة صفقة صواريخ إس 400 مع روسيا، وتشدد واشنطن في رفض تسليم شحنة طائرات أف – 35 إلى أنقرة؟ هل إعلان وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو أن خارطة تفاهمات منبج التركية الأمريكية تنفذ بحذافيرها، رسالة تحول إيجابي في المواقف التركية؟
وهل يكون البديل الإيراني كما سمعنا في الآونة الأخيرة من سياسيين وأكاديميين وإعلاميين يتحدثون عن رفض طهران لهيمنة روسيا على ملف الغنائم في سوريا واحتكار موسكو لقرار وعملية التفاوض الإيراني مع اللاعبين الإقليميين والدوليين وعن استعداد القيادة الإيرانية لبحث مسألة فك الارتباط مع إسرائيل مقابل تخفيف الضغط الدولي عليها في الملف النووي.
رجّح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، عدم مناقشة كل القضايا المتعلقة بسوريا في القمة التي من المقرر أن يعقدها الرئيس الروسي مع نظيره الأمريكي. وقال لافروف: إن موسكو وواشنطن اتفقتا على أن يلتقي هو وزير الخارجية الأمريكي بعد القمة، مضيفا أن لقاءه مع بومبيو سيعقد بعد القمة. فهل تكون بدايةً لحقبة جديدة في العلاقات الثنائية الأمريكية الروسية تسهم في حلحلة الملف السوري وإنهاء الحرب الدائرة هناك منذ سبع سنوات.
صحيح أن العلاقات التركية الأمريكية متوترة في هذه الآونة، لكن هذا لا يعني إطلاقا أن العلاقات التركية الروسية ستظل محمية وتعيش أيام شهر عسل إلى ما لا نهاية.
يبدو أن ترامب وبوتين وصلا إلى قناعة ضرورة وضع الملف السوري على طاولة الحوار وإعطائه الأولوية على الكثير من المسائل الأخرى، لأن تشعبات الملف تزداد تعقيدا وتداخلا، وتعطل العديد من الملفات الإقليمية التي تعنيهما بشكل أو بآخر.
اختيار هلسنكي كمكان للقاء، هو في حد ذاته، لا يخلو من دلالات مهمة حتما، فهو يعود بالذاكرة إلى الخمسينيات وأيام الحرب الباردة عندما كانت واشنطن وموسكو تتحملان المسؤولية والدور الأكبر في توتير أو حلحلة الكثير من القضايا الإقليمية والدولية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة