هدنة أوكرانيا بعيدة المنال.. وإحباط ترامب يتفاقم

رغم مساعي التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، تبدو الجبهة الأوكرانية أكثر اشتعالا، ما يفاقم إحباط دونالد ترامب.
وبدا الرئيس الأمريكي أكثر تشاؤما بشأن قدرته على التوسط للتوصل لصفقة لتحقيق السلام في أوكرانيا.
وفي تصعيد لموقفه الودي تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شنّ ترامب هجومًا لاذعًا على الكرملين، متهما إياه بعدم رغبته في التفاوض على وقف إطلاق النار، في حين يواصل الرئيس الأمريكي دراسة تشديد العقوبات على روسيا، وذلك وفق صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وفي خطابه الأشد قسوة ضد نظيره الروسي حتى الآن، أعلن ترامب أن بوتين "يلعب بالنار"، في إشارة إلى تصعيد روسيا قصفها لأوكرانيا في الأيام الأخيرة، على الرغم من جهود الرئيس الأمريكي للتوسط في اتفاق سلام بين كييف وموسكو.
إحباط رغم المديح
جاءت رسائل ترامب بشأن بوتين متباينة، حيث يتأرجح الرئيس الأمريكي بين مدحه ووصفه بأنه زعيم يعتقد أنه قادر على العمل معه، وبين إحباطه من عجزه عن جلب روسيا إلى طاولة المفاوضات.
وهذا الإحباط بلغ ذروته حين ألمح في منشور على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال"، إلى أنه كان يحمي بوتين من عواقب وخيمة.
وجاء هذا المنشور في أعقاب تلميح ترامب يوم الأحد الماضي بأنه قد يكون منفتحًا على فرض عقوبات على روسيا.
ويعد ذلك تحولا كبيرا بعد أشهر كان فيها حذرًا للغاية بشأن الضغط على بوتين لدرجة أنه أعفى موسكو من الرسوم الجمركية التي فرضها على معظم دول العالم.
وفي تصريحات سابقة، قالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض: "هذه الحرب خطأ جو بايدن، وقد أوضح الرئيس ترامب أنه يريد رؤية اتفاق سلام تفاوضي كما أبقى جميع الخيارات مطروحة بذكاء".
لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان ترامب مستعدًا لفرض المزيد من العقوبات، وكشف دبلوماسي مطلع رفض الكشف عن هويته عن أن وزارتي الخارجية والخزانة تعملان على صياغة حزم عقوبات محتملة ضد روسيا تركز على قطاعات الطاقة والبنوك.
تقييم وخيار
وقال الدبلوماسي لـ"واشنطن بوست"، إن فرق العمل في الوزارتين تُقيّم أيضًا فعالية نظام العقوبات الحالي وتفكر في إلغاء بعض العقوبات القائمة، مشيرا إلى أن أي تحول سيعتمد على التفضيل الشخصي لترامب.
وحاليا، لم يتم اتخاذ أي إجراء للضغط على بوتين أو دعم أوكرانيا التي لا تزال تتلقى الدفعات الأخيرة من المساعدات العسكرية التي تمت الموافقة عليها خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن وستنتهي خلال الأشهر المقبلة دون إشارة إلى إحيائها أو تمديدها.
وقال ديفيد شيمر، المدير السابق لشؤون أوكرانيا في مجلس الأمن القومي لبايدن "هناك خيار يواجه الإدارة الحالية، وهو السماح بمساعدة أمنية إضافية لأوكرانيا حتى تستمر في تلقي الأسلحة التي تحتاج إليها أو رسم مسار مختلف، والسماح بتقليص المساعدات الأمنية وهو ما يضر بأوكرانيا، ويصب في مصلحة روسيا، ويشجعها على مواصلة الحرب".
وعد لم يتحقق
لسنوات، أشاد ترامب بعلاقته الوثيقة مع بوتين، وألقى باللوم على أوكرانيا في الحرب وانتقد بايدن لسماحه باندلاعها، وأعلن خلال حملته الانتخابية، نيته حسم الحرب في غضون "24 ساعة"، وحتى قبل توليه منصبه، لكنه قال لاحقا إنه كان "ساخرًا بعض الشيء".
ودائما ما حرص ترامب على العلاقات مع الرئيس الروسي، فأشاد الأسبوع الماضي بـ"محادثته الجيدة مع رجل لطيف يُدعى فلاديمير بوتين"، وأن "نبرة وروح المحادثة ممتازة".
وأوضح ترامب رغبته في تجاوز الحرب لإحياء العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وروسيا، رغم رفض بوتين للصفقة الأمريكية الروسية، ومثلما فعل أمس، أعرب ترامب أحيانًا عن إحباطه من بوتين لكنه لم يفعل أي شيء حيال ذلك.
وفي أواخر أبريل/نيسان الماضي، وبعد لقائه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في جنازة البابا فرنسيس في روما، انتقد ترامب بوتين وقال: "لم يكن هناك سبب لإطلاق الصواريخ على المناطق المدنية خلال الأيام القليلة الماضية".
وأضاف "هذا يجعلني أفكر أنه ربما لا يريد وقف الحرب، ويجب التعامل معه بطريقة مختلفة، من خلال المعاملات المصرفية أو العقوبات الثانوية.. يموت الكثير من الناس".
«ضوء أخضر»؟
يرى خبراء في الشأن الأوكراني أن غياب رد فعل ملموس من واشنطن أعطى موسكو الضوء الأخضر لمواصلة الحرب.
وقال ويليام تايلور، السفير السابق لدى أوكرانيا: "رأينا تصريحات من الرئيس وآخرين حوله تُعبّر عن إحباطه وغضبه.. كل هذه التصريحات لم تُؤثّر إطلاقًا.. بوتين لا يأخذها على محمل الجد.. ما قد يدفعه إلى أخذنا على محمل الجد هو اتخاذ خطوات فعلية".
وأضاف أن زيادة العقوبات على روسيا، وتجديد الدعم العسكري لأوكرانيا، وتشجيع الأوروبيين على استخدام 300 مليار دولار من الأصول السيادية الروسية المجمدة لمساعدة كييف، كلها عوامل قد تُغيّر حسابات بوتين بشأن الجلوس على طاولة المفاوضات.
لكن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو قال في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي "إذا بدأتم بالتهديد بفرض عقوبات، فسيتوقف الروس عن الحديث".
ويتناقض هذا السلوك مع استراتيجية ترامب بشأن الإكراه الاقتصادي، والتي تبناها كتكتيك تفاوضي ضد الاتحاد الأوروبي والصين وجامعة هارفارد وشركات المحاماة التي يعتبرها منتقدة لأفعاله.
واعتبر خبراء العقوبات أن هناك إجراءات يمكن تشديدها بما يتجاوز جهود إدارة بايدن، وقال إدوارد فيشمان، الذي ساعد في تصميم عقوبات روسيا خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما: "عندما نتحدث عن زيادة العقوبات على روسيا، فهناك في الواقع قدر كبير منها".
وأضاف "مجرد عزل الشركات والبنوك الروسية الفردية عن النظام المالي الأمريكي، وتجميد أصولها، ومنع قدرتها على التعامل بالدولار، يعني أنه لا تزال هناك أهداف قائمة".