مزيج الصفقات والاستعراض.. كيف شكل ترامب عام 2025؟
وسط اضطرابات جيوسياسية حادّة، برز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بوصفه العامل الأكثر حضورًا وتأثيرًا في مشهد السياسة الدولية خلال 2025.
ومن الحروب التجارية والرسوم الجمركية التي أعادت تشكيل العلاقات الاقتصادية العالمية، إلى محاولاته لعب دور الوسيط وصانع السلام في نزاعات معقّدة، بدا أن السياسة الخارجية الأمريكية تدور إلى حدّ بعيد حول شخص الرئيس نفسه، ما دفع قادة العالم إلى إعادة حساباتهم في التعامل مع بيت أبيض يختلف جذريًا عن المعتاد.
ووفقا لمجلة "فورين بوليسي"، لا تمثل الولاية الثانية لدونالد ترامب قطيعة كاملة مع ولايته الأولى بقدر ما هي نسخة أكثر حدّة واندفاعًا منها، والكثير من الأفكار التي طُرحت سابقًا أو جرى كبحها بفعل معارضة داخلية، تحوّلت في 2025 إلى سياسات يجري تنفيذها بلا تردّد.
وكان الدرس الأهم الذي خرج به ترامب من تجربته الأولى، هو أن طبيعة الفريق المحيط بالرئيس تصنع الفارق. وبعد أن أحاط نفسه سابقًا بمسؤولين حاولوا كبح اندفاعه، بات اليوم محاطًا بأشخاص يشاركونه الرؤية ويشجعونه على المضي قدمًا بلا قيود.
هذا التحوّل انعكس بوضوح في التوجهات الاستراتيجية للولايات المتحدة. فبينما قدّمت استراتيجية الأمن القومي في الولاية الأولى رؤية تقليدية تقوم على التنافس مع روسيا والصين بوصفهما خصمين استراتيجيين، جاءت الاستراتيجية الجديدة أكثر انسجامًا مع نظرة ترامب للعالم.
تُقدَّم الاستراتيجية الجديدة روسيا والصين اليوم بوصفهما قوتين نظيرتين أو حتى شريكتين محتملتين، في مقابل تصوير أوروبا كخصم رئيسي، مع تركيز لافت على فكرة “التهديد الحضاري” الذي يواجه القارة الأوروبية، وفق المجلة الأمريكية.
المفارقة، بحسب المجلة، أن ترامب الذي دخل البيت الأبيض أول مرة عام 2017 رافعًا لواء التشدد تجاه الصين، بدا في 2025 أكثر ليونة مما كان متوقعًا. ورغم استمرار الخلافات حول الرسوم الجمركية، ألغت إدارته بعض القيود التكنولوجية التي فرضتها إدارة جو بايدن، وتراجع استخدام الصين كهدف رئيسي للخطاب التصعيدي.
هذا التحوّل فاجأ حتى المتابعين المقرّبين من أسلوب ترامب، خصوصًا أن سياساته السابقة أسهمت في بلورة إجماع حزبي في واشنطن ضد فكرة دمج الصين اقتصاديًا.
وعلى الرغم من أن كثيرًا من ملامح عام 2025 بدت صادمة للرأي العام، لكن معظمها لم يكن مفاجئًا بالمعنى الحقيقي. فالنزعة الانتقامية تجاه الخصوم، والعداء الصريح لحلف شمال الأطلسي "ناتو"، والتعامل الخشن مع الحلفاء الأوروبيين، كلها سمات رافقت ترامب منذ بداياته السياسية، على حد قول فورين بوليسي.
لكن الجديد كان مستوى الحدة ودرجة النجاح في فرض هذه السياسات. فقد تمكّن الرئيس من تنفيذ خطوات طالما طُرحت في الخطاب المحافظ دون أن تجد طريقها إلى التطبيق، مثل تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وقطع التمويل عن مؤسسات إعلامية عامة، وإنهاء دور منصات إعلامية موجّهة للخارج، متجاوزًا الكونغرس وفرض الأمر الواقع.
وشكّل الملف الأوكراني إحدى أكثر محطات العام إثارة للجدل، إذ تحوّل لقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع ترامب في البيت الأبيض في فبراير/ِشباط الماضي، إلى مواجهة علنية غير مسبوقة، كشفت عمق التوتر بين الطرفين.
هذه اللحظة مثّلت صدمة دبلوماسية، ليس فقط بسبب حدّتها، بل لأنها عكست رؤية ترامب القديمة لأوكرانيا، المتأثرة بالسردية الروسية التي تشكّك في شرعية الدولة الأوكرانية، إلى جانب أسلوبه العلني في التوبيخ والضغط، وهو أمر نادر في الأعراف الدبلوماسية الأمريكية.
في موازاة ذلك، بدت زيارات قادة العالم إلى واشنطن أقرب إلى حلقات من “تلفزيون الواقع”، حيث حاول كل زعيم إيجاد المفتاح المناسب للتعامل مع رئيس يرى في السياسة الخارجية "مزيجًا من الاستعراض والصفقات"، وفق فورين بوليسي.
وقد نجح بعضهم في ذلك عبر استمالة ترامب، كما فعل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر برسالة ملكية لافتة، بينما أخفق آخرون، مثل رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، الذي وجد نفسه في مواجهة مفاجئة مع اتهامات صادمة قلبت أجواء اللقاء رأسًا على عقب.
وخلصت المجلة إلى أن عام 2025 يرسم صورة لرئاسة أمريكية تتداخل فيها السياسة مع الاستعراض، وتُدار فيها العلاقات الدولية أحيانًا بمنطق الصفقات والرمزية بقدر ما تُدار بمنطق المصالح الاستراتيجية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز