«الأفريكانيون» بين حلم البقاء ومغريات ترامب.. صراع الهوية والواقع

يحظى آخر معقل للقومية الأفريكانية في جنوب أفريقيا باهتمام أقوى رجل في العالم بعدما تبنى قضيتهم، لكن الأمر يخلق أزمات.
ورغم الدعم الكبير الذي يقدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للأفريكانيين، فإن عرضه المميز بأن يصبح سكان جيب أورانيا، الأبيض بالكامل، والبالغ عددهم 3025 شخصا، لاجئين في الولايات المتحدة، لا يحظى بقبول واسع.
ويقع جيب أورانيا في صحراء كارو النائية في كيب الشمالية، وهو منطقة لها عملتها الخاصة وتحافظ على سلسلة من المعالم التذكارية لقادة الأفريكانيين، بمن فيهم مهندس نظام الفصل العنصري، هندريك فيروورد، وفقا لما طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وفي تصريحات للصحيفة، قال فرانس دي كليرك، أحد قادة أورانيا: "يمكننا تلخيص رد أورانيا على دونالد ترامب في ثلاث كلمات: ساعدونا هنا".
وأضاف: "نحن ممتنون جدًا للبيت الأبيض، لأنه مر وقت طويل منذ الاعتراف بالأفريكانيين على الساحة العالمية.. لكن على الرغم من امتناننا، فإننا لا نريد مغادرة وطننا".
وفي حين لا يزال معظم الأفريكانيين أقلية ثرية ومتميزة نسبيا، فإن حديثهم عن التعرض "للتهديد الثقافي والعنف" وجدت صدىً لها في البيت الأبيض.
ويبدو أن ترامب قد استلهم رؤيته جزئيًا من مستشاره المقرب إيلون ماسك المولود في جنوب أفريقيا والذي كرر ادعاءاتٍ توصف بـ"المُضللة" حول "إبادة جماعية" ضد الأفريكانيين.
قصة عرض ترامب
ومنذ عودته للبيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي، عرض ترامب اللجوء على الأفريكانيين الذين وصفهم بـ"الهاربين من التمييز العنصري"، وخفّض تمويل برنامج البلاد لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) بمئات الملايين من الدولارات، وطرد سفير جنوب أفريقيا لدى الولايات المتحدة.
وتسبب هذا الهجوم في أزمة لحكومة رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، التي تكافح الآن لحماية العلاقات الاقتصادية مع شريك تجاري حيوي.
ومن المفارقات أن فكرة اللجوء إلى الولايات المتحدة تُعتبر لعنة على العديد من الأفريكانيين، وخاصةً أولئك الذين يعتنقون أسطورةً قومية. وفق الصحيفة.
ويمثل الأفريكانيون، الذين تعود جذورهم إلى المستوطنين الهولنديين الأوائل عام 1652، ما يقرب من 5% من سكان جنوب أفريقيا البالغ عددهم 60 مليون نسمة اليوم.
والشهر الماضي، قال نيل دايموند، رئيس غرفة التجارة الجنوب أفريقية في الولايات المتحدة، بأنه قدّم للسفارة الأمريكية في بريتوريا قائمة بأسماء 67 ألف أفريكاني أبدوا اهتمامًا بعرض ترامب بشأن اللاجئين.
لكن جماعات الأفريكانيين شككت في هذا الرقم، وقالت إنها تعتقد أن الاهتمام الحقيقي باللجوء أقل بكثير.
ادعاء ورد
في هذا السياق، يرى فرانس كرونجي، المحلل السياسي الجنوب أفريقي والرئيس التنفيذي السابق لمعهد العلاقات العرقية في البلاد، أن الإدارة الأمريكية "ارتكبت خطأً تحليليًا باعتقادها أنه يمكن فهم جنوب أفريقيا من خلال منظورها العرقي التاريخي، بينما في الواقع، تجاوزت البلاد ذلك بكثير".
بينما اعتبر كريستو فان دير ريدي، رئيس المؤسسة التي تمثل إرث فريدريك ويليام دي كليرك، آخر رئيس أبيض لجنوب أفريقيا، أن العرض الأمريكي كان محاولة لإحياء سياسات "القومية العرقية" بعد أن تم إقصاؤها على الهامش لعقود.
وفي هجومه على جنوب أفريقيا، استند ترامب على ادعاء رددته شريحة من الأفريكانيين، وهو أن حكومات ما بعد الفصل العنصري مكّنت من شن حملة من "الهجمات العنيفة" ضد المزارعين البيض.
كما كرر ماسك المزاعم بأن سياسات العمل الإيجابي لتحقيق التمكين الاقتصادي للسود، تُعتبر "عنصرية بشكل علني".
ومع ذلك، يؤكد مواطنو جنوب أفريقيا، بما في ذلك الأفريكانيون المعتدلون، أن رواية العنف العنصري الواسع الانتشار ضد المزارعين البيض خاطئة.
وقال هوغو فان نيكيرك، وهو عامل صيانة وواحد من عدد قليل من الأفريكانيين الذين يعيشون في بلدات منخفضة الدخل جنبًا إلى جنب مع السود، إن المواطنين في جنوب أفريقيا، واجهوا حياة صعبة بغض النظر عن عرقهم.