الإنجيليون.. سلاح أوكرانيا لاستمالة الجمهوريين بأمريكا
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تخشى أوكرانيا احتمال فوز الرئيس السابق دونالد ترامب وانعكاسات ذلك على الدعم الذي تتلقاه من واشنطن الأمر الذي دفعها للبحث عن حلقة وصل جديدة لتأمين استمرار تدفق المساعدات حيث تتجه إلى "الإنجيليين".
وتضم أوكرانيا أكبر مجتمع إنجيلي في أوروبا وفي يونيو/حزيران الماضي، اجتمع حوالي 800 من الزعماء السياسيين والدينيين وسط كييف لحضور إفطار الصلاة الوطني السنوي وهو حدث مستعار من التقويم السياسي الأمريكي، وفقا للصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
ورغم مرور أكثر من عقد على هذا الحدث لكنه يفشل عادة في جذب الأسماء السياسية البارزة لكن الوضع كان مختلفا هذا العام حيث حضر فولوديمير زيلينسكي ليصبح أول رئيس أوكراني يشارك في الإفطار في حين أرسل اثنان من السياسيين الأمريكيين من الحزب الجمهوري هما رئيس مجلس النواب مايك جونسون ونائب الرئيس السابق مايك بنس رسائل فيديو تم بثها خلال الفعالية التي نظمها المسيحيون الإنجيليون في أوكرانيا.
وكشف حضور زيلينسكي للإفطار الإدراك المتزايد بين قادة أوكرانيا للحاجة إلى إقامة علاقات وثيقة مع المسيحيين الإنجيليين لديها والذين يبلغ عددهم بين 800 ألف ومليون شخص حيث تراهن كييف على أنهم يمكن أن يكونوا جسرًا للتواصل مع الإنجيليين في الولايات المتحدة، والذين يتمتعون بنفوذ كبير في الحزب الجمهوري.
وقد يكون هذا التواصل حاسما خلال الأشهر المقبلة حيث تسعى كييف للحصول على المزيد من المساعدات الأمريكية لإحباط التقدم الروسي وفي الوقت نفسه العمل على تقليص السرديات المعادية لأوكرانيا داخل الحزب الجمهوري.
ولا تقتصر جهود الإنجيليين الأوكرانيين في بناء العلاقات على الجمهوريين حيث تمتد إلى الديمقراطيين أيضا ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول أوكراني رفض الكشف عن هويته قوله "يمكنك تسمية هذا الأمر بالتآزر.. فهم يدافعون عن ما هو مهم بالنسبة لهم، وهو مهم أيضًا بالنسبة لنا".
وأوضح المسؤول أن هذه المساعدة ستكون مفيدة بالتأكيد في حالة فوز دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس، الذي ينتقد أوكرانيا وأضاف "لكن حتى لو لم يفز، فسيكون لدى الجمهوريين عدد كبير من الأشخاص في الكونغرس".
ويقدر المسؤولون الأوكرانيون أن بلادهم بها أكبر عدد من الإنجيليين في أوروبا حيث تزايدت أعدادهم في أعقاب الفراغ الديني الذي نشأ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
وفي أبريل/نيسان الماضي، كتب المستشار الرئاسي الأوكراني أندريه يرماك في صحيفة "ذا هيل" الأمريكية "أوكرانيا هي حزام الكتاب المقدس لأوروبا الشرقية".
ويعد الإنجيليون تكتلا مهما للحزب الجمهوري الأمريكي حيث تشير استطلاعات الرأي في انتخابات 2016 إلى أن ما بين 37٪ و 46٪ من ناخبي ترامب حددوا أنفسهم كمسيحيين إنجيليين بيض، وفي 2020، صوت 76٪ من الإنجيليين البيض لصالح ترامب.
وخلال الإفطار، أوضح بافلو أونجوريان، الوزير الأوكراني وزعيم الإنجيليين الذي ساعد في تنظيم الفعالية، أن الكنيسة الإنجيلية تلعب دورًا مهمًا خارج البلاد، "خاصة فيما يتعلق بالدبلوماسية الهادئة والدبلوماسية غير الرسمية".
لقد خدمت هذه الدبلوماسية غير الرسمية كييف جيدًا في بداية العام عندما ساعد تحالف من الجهات الفاعلة السياسية والمجتمع المدني لعب فيه الإنجيليون الأوكرانيون دورًا مهمًا في التغلب على معارضة الجمهوريين لتزويد أوكرانيا بـ 61 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية ووصولا إلى خطاب جونسون في إفطار الصلاة.
وكان أونجوريان جزءًا من مجموعة من الإنجيليين الذين التقوا بجونسون وأعضاء آخرين في الكونغرس عدة مرات للضغط من أجل حزمة المساعدات، قبل الموافقة عليها في أبريل/نيسان الماضي لكنه يعتقد أنه لم يغير آراء أعضاء الكونغرس إنما "أحضر لهم الحقيقة".
وفي الأسبوع الذي سبق التصويت، ساعد أونجوريان في ترتيب "لقاء عاطفي" بين جونسون وسيرجي حيدرزي، وهو إنجيلي توفيت زوجته وابنه البالغ من العمر 4 أشهر في هجوم في أوديسا.
من جانبه، يرى ستيفن مور، وهو مسيحي أمريكي يرأس مشروع حرية أوكرانيا وهي مجموعة مقرها الولايات المتحدة تساعد الإنجيليين الأوكرانيين في التواصل مع الزعماء السياسيين والدينيين الأمريكيين، أن عاملين كانا رئيسيين في تغيير رأي جونسون هما الإحاطات الاستخباراتية التي تلقاها حول التهديد الروسي، والاجتماعات مع الأوكرانيين.
وأجرى مشروع حرية أوكرانيا حملات إعلانية مستهدفة، مع التركيز على أكبر ألف مانح لجونسون من خلال استخدام الرسائل الدينية كما ساعد المشروع في شراء مساحة على لوحة إعلانية أمام كنيسة رئيس مجلس النواب في بينتون بولاية لويزيانا.
وأظهرت اللوحة الإعلانية كنيسة أوكرانية تعرضت لقصف روسي وخاطبت جونسون مباشرة بالآية المفضلة له من سفر إستير، "لأنه في مثل هذا الوقت".
لكن لا يزال هناك جزء كبير من الجمهوريين، مثل فانس، يعارضون دعم أوكرانيا انطلاقا من الروايات الروسية التي تروج لها وسائل الإعلام المحافظة، بأن أوكرانيا تضطهد مجتمعها المسيحي وأن روسيا بلد ذو قيم مسيحية تقليدية.
وفي تصريحاته لـ"واشنطن بوست"، قال أونجوريان إن "روسيا استثمرت موارد هائلة لخلق هذه الصورة المزيفة" معتبرا أن الواقع هو العكس.
لكن منتقدي كييف يشيرون إلى القانون الذي صدر في أغسطس/آب الماضي والذي قد يؤدي إلى إغلاق فرع للكنيسة الأرثوذكسية المتحالفة مع روسيا في أوكرانيا لكن أنصاره يقولون إنه يهدف للقضاء على النفوذ الروسي في البلاد.
وبالنسبة للإنجيليين الأوكرانيين والأمريكيين، فإن مفتاح هزيمة الروايات الروسية هو التواصل مباشرة مع المجتمعات الإنجيلية في الولايات المتحدة، والالتقاء بالقساوسة والجماعات، والظهور على وسائل الإعلام المحلية.
وعلى مدار سنوات تواصل أونجوريان بمفرده ومع مجموعات مثل مجلس الكنائس الإنجيلية في أوكرانيا، مع نظرائه الأمريكيين ولديه قائمة واسعة من الاتصالات السياسية والدينية من مجموعة متنوعة من الطوائف لإظهار ذلك كما أنه كان الإنجيلي الأوكراني الوحيد الذي حضر المؤتمر الوطني الجمهوري في يوليو/تموز الماضي.
أونجوريان ليس الوحيد ففي فبراير/شباط الماضي، بل تعاقدت كلية كييف للاقتصاد من خلال منظمة غير ربحية هي كييف غلوبال أوت ريتش مع مجموعة ضغط أمريكية هي واشنطن دي سي آي غروب مقابل 3.6 مليون دولار لمشاركة قصص الإنجيليين الأوكرانيين مع الجمهور الإنجيلي الأمريكي.
ويأمل الإنجيليون الأوكرانيون والأمريكيون أن يتمكنوا من تغيير موقف فانس بشأن أوكرانيا، تمامًا كما فعلوا مع جونسون.
aXA6IDMuMTQ1LjU3LjQxIA== جزيرة ام اند امز