قمة ترامب وشي.. واشنطن وبكين تبحثان صياغة جديدة للاقتصاد العالمي
قال تحليل نشرته صحيفة الغارديان البريطانية إن الاجتماع المرتقب بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والصيني شي جين بينغ يأتي في لحظة حساسة، إذ يمثل فرصة لإعادة ضبط العلاقات الاقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم بعد سنوات من التوتر والتصعيد التجاري.
ومنذ آخر لقاء جمع القائدين عام 2019، شهدت العلاقات بين واشنطن وبكين تصاعداً في حدة التوترات نتيجة الحرب في أوكرانيا، والتقدم التكنولوجي الصيني، إضافة إلى الخلافات القديمة حول اختلال ميزان التجارة بين البلدين، وهو ما زاد من حدة المخاطر الاقتصادية العالمية.
ويُعد ملف المعادن النادرة من أبرز القضايا المطروحة على جدول أعمال الاجتماع، إذ تُعد هذه المعادن عنصراً أساسياً في العديد من الصناعات الأمريكية، مثل تصنيع السيارات والمعدات العسكرية. وتسيطر الصين على نحو 70% من إنتاج المعادن النادرة في العالم وأكثر من 90% من قدرات معالجتها، مما يمنحها نفوذاً اقتصادياً واسعاً. وخلال الأيام الأخيرة، شددت بكين قيودها على تصدير هذه المعادن والتقنيات المرتبطة بها، في خطوة ردّت بها على القيود الأمريكية الجديدة المفروضة على تصدير تكنولوجيا أشباه الموصلات المتقدمة.
وأشارت الصحيفة إلى أن المحادثات الأولية في كوالالمبور أظهرت استعداد الصين لتأجيل تطبيق بعض هذه القيود لمدة عام، مقابل تجميد الولايات المتحدة لقيودها المفروضة على تصدير الشرائح الإلكترونية، في ما يمكن اعتباره تبادلاً اقتصادياً متوازناً قد يسهم في تخفيف التوتر التجاري بين الجانبين.
في المقابل، تعمل الولايات المتحدة على تقليل اعتمادها على الصين في هذا القطاع الحيوي، إذ وقع الرئيس ترامب مع الوزيرة اليابانية الجديدة اتفاقاً لتأمين عمليات استخراج ومعالجة المعادن النادرة، يتضمن ترتيبات لتخزينها بشكل مشترك بين البلدين. وتُعد اليابان نموذجاً عملياً للدول الكبرى التي نجحت في تقليل اعتمادها على الصين من 90% إلى نحو 60% منذ أزمة عام 2010، وهو النهج الذي تسعى الولايات المتحدة إلى اتباعه لتعزيز أمنها الصناعي وتقليل المخاطر الناتجة عن الاعتماد على مصدر واحد.
وتتميز العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة بتشابك معقد، فبينما تحاول واشنطن تنويع مصادرها وتقليل اعتمادها على بكين، تسعى الأخيرة بدورها إلى تقليص اعتمادها على الاقتصاد الأمريكي عبر تعزيز تجارتها مع دول رابطة آسيان، التي أصبحت أكبر شريك تجاري للصين. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الآسيان 771 مليار دولار، مقارنة بـ659 مليار دولار مع الولايات المتحدة، ما يعكس تحولاً واضحاً في موازين القوى الاقتصادية الإقليمية.
ورغم التهديدات الأمريكية المتكررة بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100% على السلع الصينية بسبب أزمة المعادن النادرة، يبدو أن الطرفين يسعيان حالياً لتجنب أي تصعيد جديد، مع الإبقاء على التعريفات الحالية مجمدة حتى العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني، وهو الموعد المحدد لإمكانية التوصل إلى اتفاق شامل. وتعكس هذه الخطوات رغبة متبادلة في تحقيق توازن بين حماية المصالح الوطنية وضمان استقرار الاقتصاد العالمي، بعيداً عن الأزمات التي تسببت بها الحرب التجارية السابقة، حين تجاوزت بعض التعريفات الجمركية 130%.
كما يشكل الاجتماع فرصة لوضع آليات تعاون مستقبلية تتضمن مراقبة الأسواق وتنظيم التجارة في التقنيات الحساسة، إلى جانب تنسيق السياسات الصناعية الخاصة بالموارد الاستراتيجية. فالتحديات الاقتصادية المشتركة، بدءاً من اضطرابات سلاسل الإمداد وصولاً إلى الاعتماد المتبادل على المعادن النادرة والتكنولوجيا المتقدمة، تدفع كلا البلدين إلى البحث عن حلول عملية قابلة للتنفيذ توازن بين الأمن الاقتصادي والمصالح الصناعية طويلة الأمد.
ويخلص التحليل إلى أن اجتماع ترامب وشي لا يُعد مجرد لقاء سياسي، بل اختبار لقدرة القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم على بناء إطار اقتصادي مستدام يقوم على التبادل التجاري المتوازن، وإدارة المخاطر المرتبطة بالموارد الاستراتيجية، والحد من آثار النزاعات التجارية السابقة. فالتركيز على المعادن النادرة والسياسات الصناعية وتخفيف الاعتماد المتبادل يعكس إدراك الطرفين بأن استقرار الاقتصاد العالمي مرهون بمرونة العلاقات بين واشنطن وبكين وقدرتهما على تجاوز منطق الصراع نحو التعاون المنظم.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY5IA== جزيرة ام اند امز