إيران تختبر طموح ترامب.. تسوية مرتقبة أم مواجهة مؤجلة؟

في ولايته الثانية، بدت رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الواضحة في تولي دور صانع السلام والصفقات العالمية، ومن ثم فتح قنوات اتصال وتواصل مع الخصوم.
تعد المفاوضات النووية مع إيران هي أهم جهود إدارة ترامب في ظل فرصة التوصل إلى اتفاق عملي يكبح طموحات إيران النووية ويخفف التوترات الإقليمية.
ومع ذلك فإن المخاطر كبيرة فقد يكون نجاح أو فشل المحادثات أفضل مؤشر على قدرة إدارة ترامب على الوفاء برغبتها في إرساء أسس السياسة الخارجية الأمريكية فهل ستتمكن من إعادة تركيز الولايات المتحدة بقوة على الصين، أم ستظل متورطة في أزمات الشرق الأوسط؟
خلال ولايته الأولى، اقتنع ترامب بوجهة نظر مستشاريه بأن زيادة الضغط على إيران ستمكنه من التوصل لاتفاق أفضل من اتفاق 2015 فانسحب منه في 2018 وفرض المزيد من العقوبات وأمر بقتل الجنرال البارز قاسم سليماني لكن هذا النهج شجع تعنت طهران التي لم تهتم باستئناف المحادثات.
لكن اليوم بات موقف إيران الإقليمي أضعف مع انهيار نظام الأسد في سوريا، والحرب الإسرائيلية في لبنان لذا فإن طهران حريصة على رؤية اتفاق والتوقيت مثالي تمامًا لترامب الذي يريد تحويل الضغط إلى نتائج دبلوماسية وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
وأشارت المجلة إلى أنه إذا كان موقف إيران متوقعا فإن دوافع ترامب أكثر تعقيدا خاصة مع رغبة الكثير من الجمهوريين في استئناف الضغوط القصوى على طهران.
ويُعد قرار إدارة ترامب التحول نحو الدبلوماسية عنصرًا حيويًا في جهود تعزيز مكانة السياسة الخارجية الأمريكية ومحاولة تركيز الجيش الأمريكي على منطقة المحيطين الهندي والهادئ حيث يُمثل إخراج القوات الأمريكية من الشرق الأوسط أولوية واضحة للإدارة التي قاومت مساعي إسرائيل لضرب إيران.
وبالتالي، تُعتبر إيران اختبارًا حاسمًا لمدى جدية إدارة ترامب في التزامها بتحديد الأولويات الاستراتيجية ويظل السؤال الرئيسي هو ما إذا كان يمكن التوصل إلى اتفاق أم أن المحادثات ستنهار في ظل توقعات غير واقعية من جانب أو آخر.
ووفقا لـ"فورين بوليسي" فإن التقارير وتصريحات كل من المسؤولين الإيرانيين وستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط تشير إلى أن الجانبين ليسا بعيدين عن بعضهما البعض ومع ذلك، قد يكون من الصعب سد الفجوات المتبقية.
والقضية الرئيسية على الجانب الأمريكي هي تخصيب اليورانيوم محليا وهي مسألة كانت دائما مصدر خلاف، حيث تدعي طهران الحق في برنامج نووي مدني في حين تدعو الولايات المتحدة إلى أن يتم التخصيب بالكامل خارج البلاد.
كان اتفاق 2015 قد سمح لإيران بالتخصيب محليًا عند مستويات منخفضة مناسبة للاستخدام المدني، مع رقابة وتفتيش صارمين لكن الجمهوريين جادلوا آنذاك بأن المعايير المطبقة لم تكن كافية لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي.
واليوم، قام الإيرانيون بتخصيب اليورانيوم حتى مستوى يسمح بتصنيع سلاح نووي لكن المشكلة لا تتعلق بالتخصيب المحلي لكن بفقدان الضمانات وعمليات التفتيش على البرنامج مع تصاعد التوترات خلال السنوات القليلة الماضية.
والأكيد أن إيران ستحتاج إلى التخلص من اليورانيوم عالي التخصيب الحالي كجزء من أي اتفاق جديد، ويمكن وضع حدود جديدة للتخصيب قد تكون أفضل من حدود اتفاق 2015 ومن الممكن وقف التخصيب المحلي الإيراني مؤقتًا والسماح باستئنافه في غضون بضع سنوات، أو تشكيل تحالف دول الجوار للتخصيب يجمع إيران وبعض جيرانها.
وتشير التقارير إلى أن الإدارة مترددة داخليًا بشأن هذه النقطة؛ إذ أشارت مسودة مقترح مسربة من فريق ويتكوف إلى أن هذه الحلول البديلة قيد الدراسة بجدية في حين يواصل ترامب الدعوة إلى "عدم تخصيب اليورانيوم".
وقد يكون الحظر الكامل على التخصيب المحلي أسرع طريقة لضمان عدم التوصل إلى اتفاق على الإطلاق حيث أكدت طهران دائما أن هذا الأمر خط أحمر بالنسبة لها.
الأمر المثير للقلق هو أن الضغط من أجل وقف التخصيب تمامًا يأتي من بعض المتشددين الذين شجعوا ترامب على الانسحاب من اتفاق 2015 على أمل التوصل لاتفاق أفضل ويبدو أنه لا يوجد اتفاق سيكون كافيا بالنسبة لهذا الفريق.
ومع ذلك، فإن اتفاقًا يتضمن التحقق والمراقبة ومعايير صارمة للقدرات النووية المحلية لطهران سيكون أفضل البدائل فهو أفضل من الوضع الراهن حيث تقف إيران على عتبة الأسلحة النووية وأفضل من الضربات العسكرية، التي قد تُؤخر طموحات إيران النووية لبضع سنوات فقط لكنها تهدد بالعودة إلى المواجهة الإقليمية مع إيران وحلفائها بما يجعل القوات الأمريكية في المنطقة هدفا رئيسيا.