استراتيجية ترامب للأمن القومي.. مواجهة مع أوروبا ووقف توسع الناتو
ملامح جديدة لاستراتيجية الأمن القومي التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تكشف عن تحول لافت في مقاربة واشنطن للعلاقات مع أوروبا.
وتدعو الاستراتيجية الجديدة، حسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، صراحة إلى وقف توسّع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتنتقد ما تصفه بـ«التوقعات غير الواقعية» للقادة الأوروبيين تجاه سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وتُظهر الوثيقة - التي طال انتظارها - اتساقًا واضحًا مع مبادئ سياسة «أمريكا أولًا»، إذ تضع أولوية لمواجهة التهديدات في نصف الكرة الغربي، بما في ذلك استخدام «القوة المميتة» ضد عصابات المخدرات، إلى جانب تعزيز المنافسة الاقتصادية مع الصين.
كما تعكس الاستراتيجية اتساع الفجوة بين الولايات المتحدة وأوروبا، إذ تدمج بين انتقادات إدارة ترامب للسياسات الداخلية الأوروبية وجهود واشنطن لدفع مسار السلام في أوكرانيا، وهو المسار الذي يخشى العديد من القادة الأوروبيين أن يأتي على حساب كييف.
وتشير الوثيقة إلى أنّ واشنطن «على خلاف» مع مسؤولين أوروبيين متمسّكين برؤى اعتبرتها غير واقعية حول مسار الحرب، وتقودها - وفق الملف - حكومات أقلية «غير مستقرة» تتجاوز المبادئ الديمقراطية لقمع المعارضة. وتأتي هذه الرسالة في وقت يدعو فيه قادة أوروبيون، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى رفض تقديم تنازلات لروسيا دون ضمانات أمنية أمريكية واضحة.
ورغم ذلك، ردّت كييف وعواصم أوروبية عديدة مرارًا على المقترحات الأمريكية لإنهاء الحرب، خصوصًا تلك التي تضمّنت، في خطة أولية من 28 بندًا، بعض المطالب الروسية، مثل منع نشر قوات حفظ سلام أوروبية، وتقليص حجم الجيش الأوكراني، وتسليم أراضٍ في شرق أوكرانيا لا تسيطر عليها القوات الروسية.
ويضغط الأوروبيون الآن على واشنطن للكشف عن دورها المستقبلي في حماية أوكرانيا من أي هجوم روسي جديد، باعتباره عنصرًا أساسيًا في بناء منظومة الضمانات الأمنية وفي إقناع كييف بقبول تسويات محتملة.
وفي سياق متصل، تنتقد استراتيجية ترامب سياسة «الأبواب المفتوحة» للناتو، مُشددة على ضرورة «إنهاء فكرة وواقع» توسّع الحلف المستمر.
وتحمّل الوثيقة الأوروبيين مسؤولية دفاعهم عن أنفسهم، في خطوة تُعدّ انقلابًا واضحًا على نهج الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش الابن الذي دعم مساعي إدخال أوكرانيا إلى الحلف خلال قمة بوخارست عام 2008.
ويبرز التناقض أيضًا بين الوثيقة الجديدة واستراتيجية الأمن القومي التي صدرت في عهد ترامب عام 2017، عندما كانت إدارته تضم شخصيات مثل هربرت ماكماستر وجيم ماتيس ومايك بومبيو.
في تلك المرحلة، شدّدت واشنطن على ضرورة التنسيق مع أوروبا لاحتواء «العدوان الروسي»، ورأت في موسكو منافسا يسعى مع الصين لإعادة تشكيل النظام العالمي على نحو يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة.
كما تختلف الوثيقة جذريًا عن استراتيجية إدارة بايدن لعام 2022 التي قدّمت المشهد العالمي بوصفه صراعًا بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية.
في المقابل، تدعو استراتيجية ترامب الجديدة إلى «إعادة تأسيس الاستقرار الاستراتيجي» مع موسكو، وتصور الولايات المتحدة كقوة قادرة على التوسط بين روسيا وأوروبا القلقة من أهداف الكرملين.
ويتقاطع هذا الطرح مع خطاب نائب الرئيس جي دي فانس في فبراير/ شباط الماضي، الذي اتهم فيه قادة أوروبيين بتقييد حرية التعبير، ودعا إلى عدم إقصاء الأحزاب اليمينية. وتذهب الوثيقة إلى حدّ التحذير من «طمس حضاري» يهدد أوروبا بسبب عدم قدرتها على ضبط الهجرة غير الشرعية.
ولم تخلُ الوثيقة من انتقادات داخلية، إذ اعتبرت جاكلين راموس، نائبة مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية في عهد بايدن، أن إدارة ترامب تطالب الحلفاء بتحقيق نتائج «من دون تقديم قيادة ثابتة»، محذرة من أن موسكو ستستغل أي فجوات بين الخطاب الأمريكي والقدرات الأوروبية، وأن تقوض مصداقية واشنطن في أوروبا سيكون له انعكاسات عالمية.
ومن المتوقع أن تتبع هذه الوثيقة استراتيجية الدفاع الوطني التي سيكشف عنها لاحقًا وزير الدفاع بيت هيغسيث، والتي ستحمل المزيد من التفاصيل حول الأهداف العسكرية الأمريكية.
لكن الوثيقة الحالية تحدد بالفعل أبرز أولويات البنتاغون المقبلة، ومنها إعادة توجيه الانتشار العسكري الأمريكي نحو نصف الكرة الغربي. وتؤكد على إعادة تفعيل «مبدأ مونرو» لتعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة، بما في ذلك نشر قوات لتأمين الحدود «وهزيمة الكارتلات» باستخدام القوة عند الضرورة.
وفي الوقت نفسه، تشدد الاستراتيجية على ضرورة تعزيز القدرات العسكرية الأمريكية في غرب المحيط الهادئ لردع أي تحرك صيني محتمل، مع التركيز على منع أي عدوان داخل نطاق «سلسلة الجزر الأولى» الممتدة من اليابان مرورًا بتايوان والفلبين وصولًا إلى بحر الصين الجنوبي.
وتدعو الوثيقة حلفاء واشنطن في هذه المنطقة إلى منح الجيش الأمريكي وصولًا أوسع إلى منشآتهم وزيادة إنفاقهم الدفاعي، والاستثمار في قدرات مواجهة التهديدات الصينية.
أما الشرق الأوسط، فتعتبره الوثيقة أقل أهمية في ظل تنامي إنتاج الطاقة الأمريكي، مؤكدة أن «الأيام التي كان فيها الشرق الأوسط محور التخطيط الاستراتيجي الأمريكي قد ولّت».
ويأتي هذا التقييم في وقت لا تزال واشنطن تعمل مع شركائها على تشكيل قوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة، وسط استمرار الغموض بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني بعد الضربة الأمريكية على منشآت نووية إيرانية في يونيو/ حزيران الماضي.