«زلزال 2024».. أمريكا في «اختبار ترامب»
في المرة الأولى قادته الصدفة للسلطة وهو القادم إليها من خارج المؤسسة التقليدية الحاكمة، لكن في الثانية، تجاوز الأمر منطق الاستثناء.
عودة مدوية لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض تختزل حدثًا سياسيًا مفصليًا أعاد تشكيل المشهد الأمريكي والدولي على حد سواء.
فبعد غياب عن السلطة لأربع سنوات، تمكن ترامب من العودة بقوة، مدعومًا بقاعدة جماهيرية مخلصة وسياسات شعبوية أثبتت قدرتها على حشد الناخبين في ظل انقسام سياسي حاد.
لكن هذه العودة تثير تساؤلات عديدة حول مستقبل الديمقراطية الأمريكية، واتجاه السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، والتأثير الذي سيتركه ترامب في ولايته الجديدة.
فما بين مؤيديه الذين يرون فيه قائدًا قادرا على إعادة عظمة أمريكا، ومعارضيه الذين يحذرون من تداعيات إعادة انتخابه، تُشكل هذه المرحلة اختبارًا جديدًا لمبادئ النظام السياسي الأمريكي ومكانته عالميًا.
عوامل
وشكل فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 نتيجة تضافر عدة عوامل سياسية، اقتصادية، واجتماعية، أبرزها
1- القاعدة الجماهيرية
واصل ترامب في الاستفادة من قاعدة جماهيرية واسعة ومخلصة، خاصة بين الناخبين البيض من الطبقة العاملة والمناطق الريفية، فهذه الفئة شعرت بأن سياسات ترامب تمثل مصالحها وتطلعاتها.
وفي حملته الانتخابية، ركّز ترامب على إعادة تفعيل قاعدته الشعبية، مستخدمًا خطابات قوية وشعارات مؤثرة مثل "أمريكا أولًا" و"أعيدوا أمريكا عظيمة مجددا".
كما استفاد ترامب من حالة الاستقطاب السياسي في البلاد، حيث نجح في تقديم نفسه كمدافع عن القيم التقليدية ومناهض للمؤسسة السياسية، مما أكسبه دعمًا من الناخبين الباحثين عن التغيير.
2- الأداء الاقتصادي
لعب الاقتصاد دورًا رئيسيًا في إقناع الناخبين، حيث ركز ترامب على سياساته الاقتصادية التي تشمل تخفيض الضرائب، وخلق فرص عمل، ودعم التصنيع المحلي.
ووعد ترامب بإعادة الوظائف الصناعية من الخارج إلى الولايات المتحدة، ما زاد من دعمه في ولايات "حزام الصدأ" مثل ميشيغان وبنسلفانيا.
كما ركز على تعزيز الاقتصاد وخلق فرص عمل، مما أكسبه دعمًا من الناخبين الذين يرون فيه القدرة على تحسين أوضاعهم المعيشية.
3- استغلال القضايا المثيرة للجدل
ركّز ترامب على انتقاد سياسات الحزب الديمقراطي وربطها بمفاهيم مثل الاشتراكية و"الضعف في حماية الحدود".
واستخدم قضايا مثل الهجرة والأمن القومي لتعزيز شعبيته، مؤكدًا على سياسات تهدف إلى حماية الحدود ومكافحة الهجرة غير النظامية، مما لاقى قبولًا لدى شريحة واسعة من الناخبين.
4- ضعف المنافس والتغطية الإعلامية
واجهت كامالا هاريس تحديات في إقناع الناخبين بقدرتها على قيادة البلاد، خاصة في ظل الانتقادات الموجهة لإدارة جو بايدن.
وهذا الضعف دفع الناخبين للاعتقاد بأن سياسات ترامب، رغم الجدل حولها، أكثر فاعلية من بدائل الديمقراطيين.
يضاف إلى ذلك أن ترامب لم يتوقف خلال الأربع سنوات الماضية عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية لنشر رسائله والتأثير على الرأي العام، مما ساعده في الحفاظ على حضور قوي في الساحة السياسية.
واستفاد ترامب من التغطية الإعلامية المكثفة، سواء الإيجابية أو السلبية، مما ساعد في إبقائه في دائرة الضوء وزيادة وعي الناخبين بحملته.
5- الاستفادة من النظام الانتخابي
رغم أن ترامب قد لا يفوز بالتصويت الشعبي في بعض الحالات، إلا أن نظام "المجمع الانتخابي" الأمريكي مكّنه من التركيز على الولايات المتأرجحة للفوز بأصوات المجمع الانتخابي اللازمة، حتى مع تقارب النتائج في التصويت الشعبي.
كما استفاد ترامب من الانقسام بين المناطق الريفية والحضرية، حيث حقق انتصارات ساحقة في المناطق الريفية التي تتمتع بتمثيل جيد في المجمع الانتخابي.
وفي المقابل، ورغم سيطرة منافسيه على الولايات ذات الكثافة السكانية العالية (مثل كاليفورنيا ونيويورك)، إلا أن ذلك لم يمنحهم ميزة كبيرة لأن النظام يمنح الولايات نفس القاعدة في التصويت.
وشهدت الانتخابات زيادة في دعم ترامب بين بعض الأقليات، مثل الناخبين السود واللاتينيين، مما ساهم في تعزيز قاعدته الانتخابية.
البرنامج السياسي
يتوقع أن يركز برنامج ترامب السياسي في فترته الثانية على جملة من القضايا، أبرزها:
الهجرة: حيث يخطط ترامب لاستخدام الموارد العسكرية للسيطرة على الهجرة غير النظامية وفرض إجراءات صارمة على أمن الحدود.
السياسة الاقتصادية: التركيز على السياسات التجارية الحمائية والمبادرات الهادفة إلى تعزيز التصنيع المحلي، بما في ذلك الاستثمارات في التقنيات الناشئة.
السياسات الاجتماعية: مقترحات مثل تقديم مكافآت مالية للمواليد لتحفيز النمو السكاني، مما يعكس التركيز على السياسات الأسرية المحافظة.
السياسة الخارجية
أثارت عودة ترامب ردود فعل متباينة على المستوى العالمي، حيث يسعى بعض القادة الأجانب إلى إقامة علاقات إيجابية، بينما يعرب آخرون عن قلقهم بشأن التغيرات المحتملة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
والجدير بالذكر أن ترامب قد أشار إلى خطط لمعالجة الصراعات الدولية، بما في ذلك السعي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط والتعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية.
التحديات والجدل
على الرغم من القبول الأوسع في بعض القطاعات، تظل المخاوف قائمة بشأن حرية الصحافة تحت قيادة ترامب.
ويخشى الصحفيون من تجدد العداء، مستشهدين بتاريخ ترامب في وصفهم بالأعداء وتعبيره عن نيته الانتقام.
وقد أدت الدعاوى القضائية المتعلقة بالتشهير والتعليقات الانتقادية ضد وسائل الإعلام المختلفة إلى زيادة هذه المخاوف.
وبالإضافة إلى ذلك، قد تشكل الصراعات الداخلية داخل إدارته، الناتجة عن المنافسات حول التعيينات، تحديات تشغيلية.