رحلة التوك توك من الهند إلى اللحد.. مصر تضع كلمة النهاية
رئيس مجلس الوزراء المصري يوجه ببدء تنفيذ برنامج استبدال وإحلال التوك توك بسيارات آمنة ومرخصة مثل الميني فان التي تعمل بالغاز الطبيعي.
الركشة باللغة الهندية، الريكاشة باليابانية، و"توك توك" كما يطلق عليه العرب خاصة أهل مصر التي قررت حكومتها مؤخراً أن تضع حداً لانتشار هذا النوع من وسائل المواصلات الذي ارتبط عموماً بالدولة النامية.
القرار كان بمثابة نهاية سعيدة لدولة تتجه نحو عالم متقدم مخلفة وراءها كل ما يرتبط بدول العالم النامي، لكنها في الوقت نفسه نهاية تعيسة لمن كان يعتمد على هذه الوسيلة كأحد مصادر رزقه، ويبقى الفيصل في الآلية والطريقة التي ستتبعها الحكومة المصرية لاستبدال واحدة من أهم وسائل المواصلات بالمناطق النائية في مصر بوسيلة نقل أخرى آمنة.
لم تتضح بعد ما إذا كانت خطة الاستبدال ستحتوي هؤلاء الذين اعتمدوا على "التوك توك" كباب للرزق، أم أنها ستؤمن لهم مصادر دخل أخرى، أم أن "الميني فان" المرخص الذي يمثل البديل هو نفسه باب الرزق الجديد.
وفي التقرير التالي نتتبع رحلة التوك توك في مصر، من بدايتها حتى كلمة النهاية، ونرصد تداعيات القرار الأخير لوقف العمل به.
- مصر تواجه جمهورية "التوك توك" بسيارات تعمل بالغاز
- بالفيديو.. من الخباز الفصيح إلى خريج التوك توك "مشاهير بالصدفة"
التوك توك المصري ذو الأصول الآسيوية
التوك توك أو الركشة باللغة الهندية، ثقافة نقل ومواصلات قادمة من دولة الهند بالأساس، حتى إن شركة باجاج الهندية هي أولى الشركات المنتجة للتوك توك، ثم بدأت شركات أخرى في تصنيعه وبالأخص في تايلاند.
ووفقاً للمعلومات الشائعة، فقد انتشرت هذه المركبة في الهند أوائل ستينيات القرن الماضي، وبدأ ظهورها في البلاد العربية مع دخول الألفية الثانية.
بدأ التوك توك في الظهور داخل مناطق مصر الضيقة في نهايات عام 2005 ثم انتشر بشكل كبير بعد تلك الفترة، وزادت الرقعة والحيز الجغرافي الذي يتنقل فيه.
المركبة التي تسير على 3 عجلات، باتت تخرج بجرأة على الطرق السريعة في مصر، لتسابق في حيز ليست مؤهلة له على الإطلاق، وبالتالي تصبح طرفاً أصيلاً في كثير من الكوارث التي تحدث في الطرق، كما أنها أصبحت مكوناً أصيلاً في كثير من جرائم السرقة والنصب والخطف، بل القتل أحياناً بالمناطق التي انتشرت بها.
كل ما سبق من معطيات سلبية للتوك توك دفعت متخذي القرار في مصر نحو استبدالها بوسيلة نقل (آمنة) – ميني فان - كما ذكر مجلس الوزاء المصري في آخر تعاطي له مع أزمة التوك توك.
أرقام ارتبطت بالتوك توك المصري
ارتبطت عدة أرقام بوسيلة النقل العشوائية (التوك توك) خلال فترة انتشارها في مصر على مدار تقريباً الـ13 عاماً الماضية، فقد بلغ عدد مركبات التوك توك في مصر أكثر من 3 ملايين مركبة، منها 99 ألفاً فقط مرخصة، وفقاً لإحصائية أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مارس/آذار 2018، ما أكد خطورة أوضاع تلك الوسيلة، لأن وصولها لهذا يعني تحويلها إلى كارثة وليس مجرد ظاهرة عشوائية.
في البداية لم تكن الدولة حاسمة في كثير من الأحيان حيال هذه الوسيلة، وباب استيرادها الذي لم يغلق حتى زمن قريب كان دليلاً على ذلك، وفي الوقت نفسه فرضت غرامات على التوك توك؛ كغرامات السير في شوارع وميادين رئيسية، وقيادة أطفال للمركبة.
كانت الغرامات تتراوح ما بين 3000 إلى 5000 جنيه مصري، وفي المقابل كان التحايل على هذا الإجراء القانوني مستمراً من جانب قائدي مركبات التوك توك الذين يصنف كثير جداً منهم كأطفال، فضلاً عن سيره في الشوارع الرئيسية بل الطرق السريعة أيضاً.
وفي عام 2015 كشفت إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، أن استيراد مصر للتوك توك خلال الأعوام السابقة، وصل إلى مليار و385 مليون جنيه، وقرابة 90% من تلك الواردات من الهند.
ورغم إصدار وزير التجارة والصناعة القرار الوزاري رقم 105 لسنة 2014، بشأن وقف استيراد التوك توك ومكوناته والدراجات النارية، إلا أن قراراً أعقبه حمل رقم 107 لسنة 2014، بإضافة بنود تخص الإفراج عن الشاسيهات والمواتير لإنتاج التوك توك محلياً، وكانت تلك محاولات لمنع وجود التوك توك داخل مصر لكن في النهاية لم تضع حداً قاطعاً للأزمة.
لم يتوقف الأمر عند ذلك فكان هناك تحايل جديد؛ حيث دفع قرار منع استيراد التوك توك كاملاً، العديد من الورش إلى تجميع التوك توك محلياً، من خلال استيراد الموتور فقط، وأسهمت عمليات التجميع والتصنيع العشوائي لهذه الوسيلة في وصولها لهذا الرقم الضخم (3 ملايين مركبة).
ورغم توفيرها لـ1.5 مليون فرصة عمل مباشر عن طريق التجار والفنيين الذين يعملون على إصلاحه، وتجار قطع الغيار والزيوت، وكذلك العاملين فى مصانع تجميعه، ورغم استخدام 30 مليون مواطن له كوسيلة تنقل، لكن كل ذلك لا يغفر ارتباط التوك توك بالجريمة والسرقة والقتل وعدم الأمان، وما إن تحرك مؤشرات البحث تجد هذه النتيجة واضحة جلية.
وقف الاستيراد صاحبه تعديلات على القانون الموضوع سلفاً، فقانون المرور رقم 121 لسنة 2008، وتعديلاته بقانون رقم 54 لسنة 2014، نصت صراحة على ترخيص التوك توك، لكن هذا الأمر لم يفعل على أرض الواقع لعدم وجود لوائح منظمة لعمله، حتى منتصف العام الماضي 2018؛ حيث كلّف محافظ القاهرة آنذاك رؤساء الأحياء بإخطار أصحاب (التكاتك) بتقديم مستنداتهم للحي للحصول على ترقيم، كنوع من تقنين سيرها في العاصمة، لحين البت فى تراخيصها من قبل الجهات المختصة.
نهاية الرحلة "حسن الختام"
وأخيراً، وجّه رئيس مجلس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي ببدء تنفيذ برنامج استبدال وإحلال التوك توك بسيارات آمنة ومرخصة، مثل الميني فان التي تعمل بالغاز الطبيعي، على أن تتولى وزارة المالية والجهات المعنية التنفيذ، مثلما تم في استبدال سيارات التاكسي القديمة ليحل محلها التاكسي الأبيض.
وفي رسالة تحمل طمأنينة، أكد مدبولي أن البرنامج سيكون له مردود إيجابي كبير، لأنه سيوفر وسائل مواصلات آمنة ومرخصة وحضارية للمواطنين، فضلاً عن توفير الآلاف من فرص العمل من خلال هذا البرنامج، موجهاً بعقد اجتماع قريباً مع مصنعي التوك توك، لبدء تحويل خطوط إنتاجهم لسيارات الميني فان على سبيل المثال، خاصة أنه تم التنسيق معهم مسبقاً على تخفيض إنتاجهم من مركبات التوك توك؛ تمهيداً لتنفيذ برنامج للاستبدال والإحلال.
فربما تكون هذه آخر محطات مركبة التوك توك في مصر؛ خاصة أن الدولة تنتهج خطة متكاملة للنهوض والانتقال من ركب الدول النامية إلى الدول المتقدمة.
aXA6IDMuMTI5LjQ1LjE0NCA=
جزيرة ام اند امز