الأورام تحاكي البعوض لخداع المناعة.. اكتشاف ثوري يمهد لعلاجات فعالة
أحد الألغاز العظيمة في الطب هو كيف يمكن لبعض مسببات الأمراض قمع جهاز المناعة من أجل الانتشار على نطاق واسع.
وهناك العديد من الأجزاء المختلفة للجهاز المناعي، ولكن من بين أهمها الخلايا التائية، التي تحدد مسببات الأمراض وتهاجمها، والخلايا التائية التنظيمية، التي تخبر الخلايا التائية عندما يكون من الآمن إلغاء الهجوم، مما يحد من الأضرار الجانبية التي تلحق بالجهاز المناعي.
ومع ذلك، فقد تمكنت الخلايا السرطانية من اكتشاف كيفية إعاقة جهاز المناعة، مما أدى في كثير من الأحيان إلى نتائج كارثية على الأنسجة السليمة.
وكيفية قيام الخلايا السرطانية بذلك غير معروفة بالضبط، ولكن الباحثين من جامعة ماساتشوستس أمهرست، حققوا اختراقا في هذا الاتجاه، باكتشافهم كيف يمكن للخلايا السرطانية خداع جهاز المناعة في الجسم، عبر آلية " تأثير البعوض"، التي وصفوها في دراسة نشرت بدورية " فورنتيرز إن إميونولوجي".
ومثلما يبتلع البعوض دم مضيفه، وجد الباحثون أن الخلايا التائية، التي عادة ما تحدد مسببات الأمراض وتهاجمها، تدمج مواد من الخلايا السرطانية في السيتوبلازم الخاص بها، وتم الكشف عن هذه الظاهرة، التي لم يسبق لها مثيل في الخلايا التائية، من خلال تسلسل الحمض النووي الريبي (RNA) لخلية واحدة.
وتوصل الباحثون لهذا الاكتشاف بعد أن قاموا بهندسة الخلايا السرطانية لإنتاج بروتين فلوري ساطع، مما يسمح لهم بتتبع نقل مادة الورم إلى الخلايا التائية في نموذج الفأر، وكشف التحليل أن كلا من الخلايا التائية والخلايا التنظيمية التائية، المسؤولة عن تنظيم الاستجابات المناعية، امتصت السيتوبلازم الورمي، ومن المثير للاهتمام أن الخلايا المناعية الأكثر إرهاقًا أظهرت أعلى مستويات السيتوبلازم الورمي، ووجدوا أن إدخال السيتوبلازم الورمي يغير الآلية المسؤولة عن ترميز البروتين في الخلايا التائية.
وقال الباحثون إن هذا الاكتشاف يوفر رؤى مهمة حول كيفية تمكن الأورام من التهرب من جهاز المناعة، مما قد يؤدي إلى علاجات أكثر فاعلية في المستقبل.
ومع ما يبديه د. سيمون شورله فينكه، من معهد الطب الانتقالي بزيورخ بسويسرا، من حماس لهذه النتائج الثورية، إلا أنه يؤكد على أن هناك بعض الأسئلة التي لا تزال بحاجة إلى إجابة حتى تكتمل الرؤية حول الطرق المعقدة التي تتلاعب بها الأورام بجهاز المناعة، مما قد يؤدي إلى تقدم في استراتيجيات علاج السرطان.
ويقول إن من بين أبرز هذه الأسئلة هي :
أولا: لماذا تقوم الخلايا التائية بدمج السيتوبلازم الورمي في السيتوبلازم الخاص بها؟ هل هو من أجل العيش أم التكيف مع البيئة أم لغرض آخر تمامًا؟
ثانيا: كيف يؤثر امتصاص مادة الورم على وظيفة وسلوك الخلايا التائية والخلايا التنظيمية التائية؟ هل يساهم في إنهاك الخلايا المناعية أو تغيير في وظائفها؟
ثالثا: كيف يساهم نقل المواد الخلوية من الأورام إلى الخلايا المناعية في أساليب التهرب المناعي التي تستخدمها الخلايا السرطانية؟ فهل يعتبر هذا النقل وسيلة تستغلها الأورام لإيقاف الخلايا التائية؟
رابعا: ما هي الشروط أو المتطلبات المحددة لنقل المواد الخلوية بين الخلايا السرطانية والخلايا المناعية؟ هل يستلزم الاتصال المباشر بين هذه الخلايا؟
خامسا: ما هي العواقب طويلة المدى للخلايا التائية التي تحتوي على مادة الورم؟ هل لهذه الظاهرة آثار على تطور السرطان أو فعالية العلاجات المحتملة؟