المرزوقي وخضر.. الصندوق الأسود لإخوان تونس
في 2014 كرم الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي ضابط الجيش مصطفى خضر أحد المتهمين في قضية "براكة الساحل"
في يوليو/تموز 2014، كرم الرئيس التونسي حينها المنصف المرزوقي مجموعة من العسكريين، ممن يقال إنهم كانوا ضحية عملية "مفبركة" استهدفت الجيش في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
ومن بين هؤلاء، نودي يومها على اسم مصطفى خضر، غير أن المنادي سرعان ما عقب بعد برهة من الصمت بكلمة "غائب"، لأن الرجل كان مسجونا، ما منعه من حضور تكريمه، مرت تلك الحادثة دون تعقيب من الإعلام المحلي، لأن الاسم المذكور كان نكرة تماما بالنسبة للتونسيين، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة للمرزوقي وحركة "النهضة" ذراع الإخوان بالبلاد.
سنوات بعد ذلك، وتحديدا نهاية 2018، طفا الاسم إلى واجهة الأحداث، إثر إعلان هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، عن وجود تنظيم سري للحركة الإخوانية يديره مصطفى خضر.. لوهلة عاد إلى الأذهان ذلك الغائب الذي كرمه المرزوقي باسم "واجب العدل التاريخي لإنصاف مجموعة براكة الساحل".
وقضية "براكة الساحل" هي عملية أمنية استهدفت عام 1991، عسكريين قال نظام بن علي إنها كانت تخطط للقيام بانقلاب، فيما يقول "إخوان تونس" إنها كانت عملية مفبركة للتخلص من بعض قيادات الجيش من المعارضين للرئيس الأسبق.
مصطفى خضر.. سر لغز الاغتيالات
بدأ عام 1984 عمله بالجيش برتبة ملازم، قبل أن توجه له اتهامات بالتخطيط لانقلاب في قضية «براكة الساحل»، في 1991، وقضت المحكمة العسكرية بسجنه لمدة 4 سنوات، وبالخضوع لمدة 5 سنوات للمراقبة الإدارية.. وبانتهاء فترة عقوبته، غادر السجن، ومطلع 2006، فتح مدرسة لتعليم القيادة، وفي 2013 تقدمت سيدة بشكوى إلى الأمن، تتهم فيها رجلا قالت إنه استأجر منها محلا يستخدمه مدرسة لتعليم القيادة، برفض تمكينها من الصعود إلى سطح المبنى.
ولم يكن الرجل سوى مصطفى خضر، والذي قالت السيدة إنه يستخدم آلة كبيرة الحجم مثبتة بمحرك ميكانيكي لإتلاف وثائق تجهل طبيعتها ليلا.. وباستدعاء خضر للتحقيق معه، بدت عليه ملامح الخوف والارتياب بمجرد سؤاله عن "الآلة" الغريبة المتواجدة لديه، وفق ما نقلته هيئة الدفاع عن محضر الاستماع.
وادعى خضر أنه صنع الآلة مع صديقه لـ"تنقية الغازات المحترقة"، في حجة بدت سخيفة بالنسبة لشخص يقدّم دورات تدريبية لتعليم القيادة.. وحين طلب منه مرافقة أمنيين لمعاينة الآلة، حاول خضر التملص قبل أن ينتهي به الأمر للرضوخ مجبرا، ليكتشف الأمنيون آلة يدوية الصنع غريبة، غير أن السؤال الذي يظل مخيما على الأذهان هنا هو: مالذي يفعله خضر بآلة مماثلة؟ هل كان بالفعل يستخدمها لتنقية الغازات المحترقة أم لحرق وثائق تحت جنح الظلام كما قالت المشتكية؟
سؤال آخر يطرح نفسه في هذا الإطار: أين ذهبت تلك الآلة التي من المفترض أن تكون حجزت؟ هل حجزت بالفعل؟ وإن كانت الإجابة نعم، فأين هي؟ هل هي بـ"الغرفة السوداء" التي قالت هيئة الدفاع عن الشهيدين إنها موجودة بوزارة الداخلية وتضم تسجيلات ووثائق تؤكد وجود تنظيم سري تابع للإخوان مهمته الاغتيالات؟
وفي مكتب خضر بمدرسته لتعليم القيادة، عثر أيضا على أجهزة تنصت متطورة، ما يعني أن المكتب كان في واقع الأمر غرفة تجسس أو قيادة عمليات.. لكن أي عمليات؟ هل هي الاغتيالات التي شهدتها تونس في 2013؟
مراقبون أعربوا عن قناعتهم بأن خضر كان يقود، أو من بين قيادات التنظيم السري المكلف بالاغتيالات والتابع لحركة النهضة الإخوانية، خصوصا أن الاستماع للرجل جرى في ديسمبر/ كانون الأول من العام المذكور، فيما جرت الاغتيالات تحديدا بين فبراير/ شباط ويوليو/ تموز من نفس العام، اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد في فبراير، واغتيال النائب محمد البراهمي في يوليو.
لماذا التكتم؟
المرزوقي كان في تلك الفترة، أي 2013، عراب "إخوان تونس"، وكان من الطبيعي أن يكون على علم بقصة خضر، وبخلفية تكريمه.. كان يعلم أن الرجل من المنتمين لحركة «الاتجاه الإسلامي» (الاسم القديم لإخوان تونس)، وقد حوكم في عهد بن علي بتهمة محاولة الانقلاب على النظام.
حركة "النهضة" تكتمت على القضية لأن الداخلية كانت في ذلك الحين تحت قبضتها، رغم وجود شق بالوزارة ظل متمردا عليها، وإلا لما كان خضر بلغ حد التحقيق معه، لكن يبدو أن أقصى ما كان يمكن للحركة الإخوانية في ذلك الوقت التكتم على الموضوع والحرص على عدم تسريبه للإعلام، ومحاولة إبعاد ما تم ضبطه قدر المستطاع عن دائرة الضوء، وهذا هو مفتاح سر الغرفة المغلقة بالداخلية، والتي أسمتها هيئة الدفاع بـ«الغرفة السوداء».
كبش فداء؟
سيناريو آخر يطرح نفسه بهذا الصدد، وهو أن خضر قد يكون مجرد كبش فداء ضحت به النهضة لإنقاذ عبد العزيز الدغسني، صهر زعيم إخوان تونس، راشد الغنوشي.. والدغسني قالت هيئة الدفاع إنه هو رئيس التنظيم السري.. فرضية ترجحها بقوة دعوات توالت مؤخرا في تونس إلى توفير حماية لـ«خضر» المسجون بأحد السجون القريبة من العاصمة، كما أن القيادي بحركة «نداء تونس» برهان بسيس، كتب منذ أيام عبر صفحته بموقع «فيسبوك» يقول إنه التقى خضر حين كان مسجونا بدوره، وأن الأخير أسر له بمخاوفه من أن تتم تصفيته جسديا.
فلماذا يخاف إخواني من آخر؟ الأمر بسيط لأن الضغوط المتزايدة حول "النهضة" لا تترك حلولا أمام الحركة سوى كتم أنفاس «الكمبارس» حفاظا على صورة «البطل» المزعوم.